العامل الذاتي في عملية الصراع مع “إسرائيل” بقلم الأسير والقيادي كميل أبو حنيش

اعادة نشره من موقع مركز حنظلة للأسرى والمحررين

Kamil Abu Hanish

في بداية الانتفاضة الثانية أذكر أن الرئيس أبو مازن اعتاد أن يكتب مقالات دورية للصحف المحلية ينتقد من خلالها عسكرة الانتفاضة ويطالب بإعادتها إلى وجهتها السلمية، فقد جاء في إحدى هذه المقالات فيما معناه أن ” شارون لا يتقن اللعب إلا في ملعب الحروب والدماء والقتل، وتعالوا نجره إلى الملعب الذي لا يتقن اللعب فيه وهو ملعب المفاوضات”.

لم يكن أبو مازن في حينها رئيساً ولكنه كان ذات تأثير على القرار الفلسطيني وكانت خلافاته مع عرفات في تلك الأيام علانية حول العديد من القضايا أبرزها عسكرة الانتفاضة، ولم يمضِ أقل من عامين إلا وهو رئيساً للحكومة ولم يستطع إحداث أي اختراق أو جر ” شارون” لمربع المفاوضات، حيث لم تعمّر الحكومة سوى ثلاثة أشهر قبل أن تستقيل ويجري تحميل المسئولية لعرفات عن فشلها.

في هذا العام حدثت مجموعة من التطورات الهامة أبرزها رحيل عرفات وانتهاء الانتفاضة، وتسلم أبومازن رئاسة السلطة والمنظمة وسيطرته على القرار السياسي الفلسطيني، وكان ” شارون” لا يزال في سلطة الحكم، وجرت الرياح بما لا يشتهيها أبومازن فقد جره ” شارون” إلى الملعب الذي أكد أبومازن في السابق أنه – أي ” شارون” لا يتقن اللعب فيه وهو المفاوضات، وإذ لم يحصد أبومازن خلال ذلك إلا مزيد من الاستيطان والإجرام الصهيوني.

وحتى لا نقلب المواجع لم يتمكن أبومازن من هزيمة ” شارون” في هذا الملعب وذهب ” شارون” إلى غيبوبته الطويلة وحل مكانه ” أولمرت وليفني” اللذان فاوضهم أبومازن في ملعبه والنتيجة يعرفها الجميع، ليأتي بعدها ” نتنياهو” الذي أغلق كل النوافذ والأبواب، وبات كل يوم وبطريقة فجة يدعو أبومازن للنزول إلى ملعب المفاوضات بعد أن حدد سلفاً قواعد اللعبة وشروطها، وهكذا بقى الملعب خالياً، وكسدت كتب صائب عريقات التي لا ترى بالحياة سوى المفاوضات.

رغم الخطأ الجسيم الذي ارتكبته السلطة والرئيس أبومازن والذي يصل إلى الخطيئة الكبرى، إلا أننا لسنا بصدد الردح السياسي وتحميل المسئوليات لبعضنا البعض لأننا لا نملك طرفاً في واقعنا السياسي وعلينا أن نتجاوز الجدل البيزنطي الذي لا يزال دائراً حول أولوية المقاومة أو المفاوضات؛ لأننا ببساطة نعيش لحظة استعصاء سياسي والأوضاع تتعقد على الأرض وقضيتنا خاسرة لا محالة ما لم نتدارك الموقف ونقف بمسئولية حيال التطورات الجارية.

 لا أحد يدعّي امتلاكه للحقيقة المطلقة والحل السحري للخروج من عنق الزجاجة، وكأن أوضاعنا المستعصية نستطيع أن نغيرها بالأفكار والاقتراحات والتصورات.

علينا أن نعترف قبل كل شيء أننا جميعاً كحركة تحرر وطني فشلنا في إحداث اختراق استراتيجي لمعركتنا التحررية، وهذا ناجم عن أسباب متعددة، أهمها افتقادنا لرؤية استراتيجية موحدة، وهذا الخلل رافق حركة التحرر الوطني منذ البدايات الأولى للصراع، وهو ما يفسر تخبطنا في كل مرحلة طيلة أكثر من قرن من الصراع.

إن هذا الاعتراف سيجعلنا أولاً نتخلص من أوهام حول أفضلية طرف فلسطيني على طرف آخر، وثانياً سيقربنا من الشعور بالمسئولية الوطنية وضرورة الالتقاء لمستوى التحديات الكبرى التي لا تواجه مشروعنا التحرري فحسب، وإنما تشكّل تهديداً لوجودنا على هذه الأرض، وأما ثالثاً وهو الأهم فإنه يعيد الاعتبار للذات الفلسطينية المهزومة أو التائهة؛ فنحن وبرغم الحالة السياسية البائسة التي نعيشها إلا أن الحالة الفلسطينية لا زالت تمتلك عوامل بقائها وصمودها وقدرتها على المواجهة ومواجهة كل من يحاول تصفية قضيتنا وبالأخص مستقبل وجودنا الوطني.

منذ أكثر من ربع قرن والحالة الفلسطينية في حال انتظار لما ستسفر عنه التطورات السياسية والمبادرات السياسية التجريبية لحل القضية الفلسطينية، أما العامل الذاتي فقد ظل تابعاً للتطورات الخارجية، وهذا هو الخلل المركزي في تعاملنا وإدارتنا للصراع، وحتى يكون هذا العامل فاعلاً ينبغي أن يكون ثورياً بمعنى علينا قلب المعادلة، وإعطاء هذا العامل دوره وعليه أن يلتقط زمام المبادرة.

واليوم ونحن نتحدث عن المصالحة والوحدة فإن ذلك يقتضي العودة إلى مراجعة مشروعنا واستراتيجيتنا وعلينا ألا نستهين بأنفسنا إذا التقطنا القدرة والشجاعة على التحرر من القيود التي كبلنا بها أنفسنا منذ مسار التسوية، ويجب أن نكسر هذه القيود ونتحرر منها، ويكفي الإعلان عن موت التسوية واتفاق أوسلو، وعندها سيقف العالم على أصابع قدميه، وهذا مرتبط بضرورة الاتفاق على استراتيجية موحدة ترتكز بالأساس على المصالح الوطنية العليا، ولا تتكأ على المصالح الفئوية والحزبية وحتى الشخصية، ومن شأن هذه الاستراتيجية الوطنية أن تضعنا على الطريق الصحيح لكنس الاحتلال وهزيمة المشروع الصهيوني.

( انتهى)

  • أحد أبرز قيادات الحركة الوطنية الأسيرة، مسئول فرع الجبهة الشعبية في سجون الاحتلال.