طفولة لذاكرة أسيرة – زينة مجد بربر

زينة مجد بربر تكتب إلى موقع صامدون على طريقتها الخاصة نَصاً قصيراً عن ذكرى إعتقال والدها الأسير وماذا عني لها يوم 30 آذار من كل عام وهو اليوم الذي اعتقل فيه والدها المناضل مجد بربر حين كانت زينة ابنة 15 يوماً فقط ..

تُفكّر في نهاية كل نهار ، تُفكر في نهارك الضائع ، أيها الإنسان العظيم

أقول العظيم وليس البسيط !

وتشدّني كلمة ” بسيط ” عند سماعها دائماً إلى الأبحاث التي قرأتها منذ زمنٍ طويلٍ جداً  “يعني من زمان زمان” عن العقل البشريّ و قدراته و سعته ، وأعطتني تلك المقالة رغم نسياني لها تقريباً طاقة كبيرة للدّرجة التي جعلتني أستنكر فيما بعد كلمة ” سِعة ” الموجودة فيها ، إذ لا يوجد للعقل سعة ، هو اللا محدود. أنا على ثقة تامّة.

في الحقيقة لا أعرف. ربما تكون هناك ” سعة ” تمامًا كما قال ذاك الكاتب الذي نسيت إسمه الآن لكن الانسان مهما طال عمره ( ولن أقول قصر عمره لأنها غير مفيدة في هذا السياق) فلن يصل إلى كمية المعلومات التي ستوقف عمل عقله في الحفظ و التخزين والفهم..

فأي نقمة تلك؟ صح؟

أو أيّ فاجعة ! زي ما بقولو عن الكورونا. وان توقّف العقل عن العمل بالتأكيد مسألة : أفجع !

يقول التاريخ إن الإنسان، أكرر الإنسان ، كان يعيش لالآف السنين في أزمنة سابقة ، هل كانت الأم مثلا تبكي على رضيعها الذي بلغ من العمر مئة أو مئتي عام ؟

لم يعش طويلاً و” ما شاف اشي بحياته”  طبعاً ! لكن التاريخ لم يذكر يوماً أنّ عقل أحد العلماء أو الباحثين قد توقف  بسبب الكمية الهائلة التي يمتلكها من المعلومات

ممكن ينجن بس!

عموماً ، لا تخف عزيزي القارئ ، فما زلت في بداية طريق بحثك وتفكيرك ، بمعنى آخر : مطول حتى تنجن.

زينة أثناء اعتقالها و توقيفها في القدس المُحتلة 9 / 6 / 2020

لمن لم يلاحظ أقول لاحظ كتابتي للتاريخ واهمالي لتاريخ ذاك اليوم على وجه خاص . وأعيدك لجملة كنت قد قرأتها ” نحن لا نتذكر الأيام و إنّما نتذكر الذكريات“، هذا ما يحصل معي تماما ، كلّما عُدت لتاريخ ( اليوم  30/3  يوم الأرض) لا ، ليس اليوم فقط ، فهو تاريخ مُكرر صادف أن يكون يوم الاثنين هذا العام و كان يوم الأحد من العام الماضي وجاء السّبت من العام الذي سبقه و هكذا. وهكذا..

مثال آخر:  في 30/3/2001 عقلي ذو الامكانيات العالية والدّقة المفرطة خانني في تذّكر التفاصيل أو عبث ذلك اليوم لا يذكر ما وقعت عليه عيناي ,أو ما شعرت به من اختناق عندما وضعتني أمي في بطانيّة داخل حجرها عندما اقتحم الجيش بيتنا .. وبيديها تلتف حول جسدي الصغير .. ولكن!

اتذكر السّرديّة ، لكل منا سرديته ، قصته ، وقد حطتني بذكرى اعتقال والدي.

في ذلك اليوم تكونت عندي مشاعر من الموقف ومن الذكرى ومن تاريخ اليوم أيضاً ! إن يوم الجمعة 30/3/2001 هو سبب كرهي لأيام الجمعة من كل اسبوع في كل شهر وعام.

” مش هيك بقولوا؟ بقولو حياة الأطفال و ذكرياتهم تنعكس عليهم مباشرة في حياتهم

وفي المستقبل!

لم يحدد أي عالم مدى تراوح الأعمار في الطفولة .. يعني عادي لو كنت/ي طفل/ة عمرك 15 يوم ؟

يوم واحد، ذكرى واحدة قادرة علي تغيير مسار الإنسان الى الأبد !

إحدى عناوين المقالات أو الجرائد تلك لكن صدّقني هذه المرة ليس لجذبك بل لتشتيتك ، و اعدك بالمصداقيّة فاستمر..

بدأ الأمر بذلك العمر المبكر الصّغير جداً جداً حين تغيّر اسمي من ” زينة مجد بربر”  إلى زينة مجد وفقط ! أو من زينة بنت اختي إلى زينة حبيبة الخالتو , أو ” روح خالتها ” وحسب الأنسب كما بدأ في زمن موازٍ لغرفة دراسية وفي 30/3 من أي عام دراسي في المدرسة الابتدائية حينما تتجمهر بضع فتيات حول زاوية الصف ومعلمة تحاول تفريقهم لتصل ..

تصل إلى ماذا ؟

تصرخ احدى الفتيات أو جميع الفتيات بتتابع و فوضاوية ,”زينة بتبكي لأنه اليوم ذكرى اعتقال أبوها مِس”.

تنجح المعلمة بتفريق البنات و تجلس بجانب زينة .

ويبكين معا

(زينة تستجمع نفسها مرّة أخرى و تبدأ بمواساة المس)..

هو بطل وانا مبسوطة اني بنت حد مثله ، انا قويّة . الله اختارني من بين كل البنات عشان انا اكتر وحدة بتتحمل, انا قوية مس!

تناولني المحارم و ينتهي اليوم.

و ماذا عن سنوات الثانوي؟

يبدأ النهار بحصة اللغة العربية وموضوع التعبير لليوم هو ” رسالة إلى أسير ”

طب ليش يا مس؟

ينفصل عقلي عمّا حوله . قلمي يبلّل الأوراق حبراً بما يؤمر  من عقلي الذي يحلق في اللامكان واللازمان..

لم أكره موضوع التعبير هذا قبل ذلك اليوم ، والسبب ما رأيته من زميلاتي ومن جدالات وتسخيفً لمشاعر أم الأسير التي قد كتبت لابنها المعتقل  وسمعنها  في أحد البرامج التلفزونية وأسمينها ” دراما”.

دراما ، جد؟ طيب انتو شو شفتو بحياتكم لنسمع هلهبل؟

يجب أن أركّز: انا شو شفت بحياتي ؟

احسن كلنا نسكت وما نتفلسف. لذلك اعتذر من زميلاتي اللاتي طلبن مساعدتي في تعابيرهن وقابلن عبوسي و استشاطتي. بهدوء .. فاعذروني!

زينة مجد .. وفقط.

… بعد إطلاق سراحها