حقوق إنسان أم فيلم أميركي طويل؟ — خالد بركات

حقوق إنسان أم فيلم أميركي طويل؟

خالد بركات

بعض المؤسَّسات الحقوقية في بلادنا زغردت وهَلَلت ورقصت قبل يومين لأن منظمة “هيومان رايتس ووتش” الأمريكية قالت في تقريرها الأخير “اسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين” وذكَرَت في تقريرها كلمة” أبارتهاييد”. فهذه المنظمة “الكبيرة” و”المهمة” و”العميقة” والاخطبوطية قالت فعلاً هذه الجملة، لكن لِمَ كل هذا الاحتفال والصخب والتسحيج يا معشر حقوق الانسان في الشرق العاثر؟

يقول جارنا: عرصات يا زلمة، بصدقو منظمة أمريكية وما بصدقونا؟ العمى !

بصراحة، جارنا معه حق. فلماذا إذا صدر تقرير حقوقي عن منظمة “بِتسيلم” الاسرائيلية أو “هيومان رايتس ووتش” الأمريكية صار شغلة كبيرة ومهمة في صحافتنا؟ كلام مقدس؟ مرجعية موثوقة لمؤسساتنا؟

مشكلة البعض عندنا أنه لا يقرأ ، يعرف كيف يُسحِج ويقفز مثل القرد.. وفقط.

**
تعتمد الحكومات الأمريكية على تقارير هذه المنظمة،وبخاصة تلك المتعلقة بـ “حقوق الانسان ” في بلاد بعيدة عن حدود أمريكا.. مثل الصين وفانزويلا وسوريا وايران وكوريا الشمالية وغيرها.. باستثناء تلك الجزيرة العنيدة القريبة من شواطيء فلوريدا التي إسمها “كوبا”، غير أن هذه “المؤسسة الحقوقية” ليّست بعيدة متراً واحداً عن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة. ومكاتبها تقع على بعد أمتار من جدار البيت الأبيض.

هل قرأتم تقاريرها “الحقوقية جداً”عن حرب 2006 والعدوان على لبنان؟ وتقاريرها عن كل الحروب الصهيونية التي شنتها اسرائيل بالسلاح الامريكي على قطاع غزّة؟

إذا أرادت أمريكا شن حرباً على شعب أو احتلال بلداً أو فكرت أن ” توبخ السعودية” مثلاً أو حتى “تقرُص” أذن حبيبتها “اسرائيل” يمكنها أن تفعل ذلك. وتذكروا هذا القانون المقدّس في واشنطن: حين يصل الأمر بين خيارين، بين مصالح أمريكا وبين أي طرف آخر في العالم: أمريكا أولاً.
**
وفي اليوم الذي صدر فيه تقرير “هيومان رايتس ووتش” ويا “للصُدفة” العجيبة الغريبة، كتب المدير العام السابق لوكالة المخابرات الأمريكية (سي آي ايه) جون برينان مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز – وما أدراك ما “السي آي ايه” والـ ” نيويورك تايمز” عنوانه ” لماذا يتعيّن على جو بايدن أن يشاهد هذا الفيلم الفلسطيني؟ في إشارة إلى فيلم “الهدية” الذي ترشح للأوسكار.

جون برينان هذا ليس ناقداً سينمائياً ، أُكرر : مُدير وكالة الاستخبارات – السي آي ايه – بين 2013 – 2017

قَرصة ثانية لحليفتهم المدللة؟

نعم، لم يَسعد الكيان الصهيوني بتقرير هيومان رايتس ووتش، على علاتة، وربما امتعض نتنياهو قليلا.. ربما.

يُدرك جو بايدن أن لغة “العداء لامريكا” في المنطقة تخفُت بسرعة بعد ذهاب ترامب وقدوم إدارته التي تريد أن تظهر بقناع جديد وقفازات حريرية وتسوّق نفسها وسياساتها، هذا يعني المزيد من “استدارة في اللغة” التي تخدم الاستراتيجية الامريكية دون المساس بمصالح “اسرائيل” ولو جاء الخطر من “اسرائيل” نفسها. ..

أما وقد صدر تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش والذي يقول “اسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين” فماذا سيحدث الآن؟ ربما يجدر بنا أن نتذكر في هذا الوقت مئات التقارير الدولية التي صدرت منذ العام 1933 عن هيئات ودول ومنظمات أهم واقوى واقدم من هيومان رايتس ووتش.. ماذا حدث؟ كُلّها صارت في سلّة المهملات.

القصة مش تقرير “جديد” ولا فيلم فلسطيني حتى يكتب عنه مدير سابق لوكالة “السي آي إيه” افتتاحية في الـ نيويورك تايمز. القصة عويصة يا خال، وانت لن تصدق جارنا، ولن تصدقنا، والبعض لا يصدق إلا صحف الصهاينة ومقالات الأجانب من الأعداء..القصة على رأي زياد الرحباني: فيلم أمريكي طويل!!