الزنزانة دولاب من الذكريات
ميس أبو غوش
داخل زنازين الاحتلال، التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، فلا شمس وهواء. سوى اللون السكني الطاغي ومستنقع من المياه العادمة التي تجتاح زنزانتك، صوت صراخ السجانين ونداء الأسرى لاحضار الطعام أو إشعال سيجارة، وإن ساءت الأحوال أكثر، تُصارع صوت الأسرى الذين تعمد الاحتلال تعذيبهم.
ومن هنا تدخل في صراعك مع مكان بلا صوت، الهدوء الذي يقطعه صوت تعذيب الأسرى، تحاول أن تُشغل تفكيرك بأيّ شيء.
تنظر إلى باب الزنازنة، لتجد سجل يحمل الأيام واسماء الأسرى الذين سبقوك زمناً في المواجهة مع الاحتلال، تارة تجد تواريخ قد مضى عليها ٢٠ عاماً وأكثر، وتارة تجد الأيام التي قطعها كل أسير مؤرخة، ٣٠ يوماً … ٩٠ يوماً … ١٢٠ يوماً. وكأن الأسير يشير الى المستقبل مع استمرارية وجود الاحتلال “كنت هنا قبلك”.
في زنزانة التحقيق العسكري، حيث تم عزلي مدة أسبوع عن بقية الزنازين، وكانت الأسوأ من ناحية الظروف والمعاملة. وفي تلك الفترة كنت اعاني من وضع صحي سيء نتيجة التعذيب ورفض تقديم العلاج.
ومن هنا قررت أن أخط ” ميس ابوغوش،كل مُرّ سيمر، لا يبقى في الواد غير حجارة، لا تصالح …” أملاً أن يراها رفاقي واصدقائي من بعدي، لتمضي جولات التحقيق أقل وطأة عليهم. وذات مرّة جاء احد المحققين وطلب مني أن أُزيل ما كتبت ورفضت.
بعد فترة يصبح كل شيء يقع بصرك عليه، لونه أسود إلى درجة ينسى بصرك لون الربيع والصيف وما تحمله من جماليات، تقف حائراً، لا تعلم الوقت وتاريخ اليوم.
وتبقى الذكريات والأحلام، طريقك الوحيد لتمسك بالأمل، تتحدث مع امك وابيك، تطلب السماح من أحد الأصدقاء على ماضٍ كان حزين ومتعب، وترجو أحدهم أن يتمسك بك أكثر وتحدثه في مخيلتك عن المستقبل.
يبقى شعورك بالزنزانة عالقاً، حتى وإن شاهدت صورة تعبيرية ..
الحرية لمناضلي الحرية