محمد الخطيب
نقلًا عن صحيفة الأخبار اللبنانية
قبل عامين من الآن، تحديداً في شباط 2021، أدرج وزير الحرب في الكيان الصهيوني بيني غانتس «شبكة صامدون» على ما يسمّى «قوائم الإرهاب». فمن هي هذه الشبكة، ولماذا تلقى هذا الاهتمام؟
تأسست «شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين»، وتعرف اختصاراً بـ«صامدون»، عام 2011 في كندا، ومع الوقت أصبحت واحدة من أهم المنظمات الأممية – الفلسطينية العاملة في مواجهة الحركة الصهيونية خارج فلسطين المحتلة. وكانت أولى فعالياتها – التأسيسية رسمياً – تضامناً مع الشيخ خضر عدنان الذي كان يخوض في حينها إضراباً مفتوحاً عن الطعام.
تضم «صامدون» اليوم في صفوفها المئات من الأنصار الأمميين من نحو 20 دولة تقريباً، وعشرات الشباب الفلسطيني والعربي الذين وجدوا أنفسهم/ن لاجئين/ات جدداً في عواصم أوروبية عدة، وصولاً إلى أميركا الشمالية والجنوبية، بسبب الحروب والتهجير والحصار في بلدانهم، ولا سيما في السنوات العشر الأخيرة.
الهوية النضالية
تُقدّم «صامدون» نموذجاً ثورياً في العمل التنظيمي والنضالي والشعبي في الشتات، وتتميز هذه التجربة بسبب طبيعة وهوية الشبكة، وتعددية كوادرها الفلسطينية والعربية والأممية، فهناك قناعة راسخة تكرست خلال سنوات العمل، هي أن النضال من أجل حرية الأسرى الفلسطينيين والعرب والأمميين، وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، يعني تغييراً جذرياً في المنطقة والعالم، يتجاوز حدود فلسطين الجغرافية، ويصب في مصلحة كل الشعوب وحركات التحرر، وخاصة تلك التي تواجه الفاشية والعنصرية والرأسمالية في قلب المستعمرات الكبرى، مثل الولايات المتحدة وكندا، وكذلك القوى الاستعمارية القديمة/ الجديدة في أوروبا.
انطلاقاً من تلك القناعة، يبدو طبيعياً أن تدعم «صامدون» حملات التضامن مع المعتقلين السياسيين في سجون الولايات المتحدة واليونان وتركيا والفيليبين وغيرها، كما من الطبيعي أن تتبنّى موقفاً مسانداً للمعتقلين السياسيين في السجون العربية، بما في ذلك الحملة المستمرة لمساندة المعتقلين السياسيين في سجون السلطة الفلسطينية، وفي مواجهة أجهزة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني في الضفة المحتلة، فضلاً عن مواجهة كل أشكال القمع والفساد.
وللترويج لقضية الأسرى، أطلقت «صامدون» حملة تعريفية بخمس لغات أجنبية، تضمنت تاريخ الأسرى المعتقلين في السجون الصهيونية، ما قبل اتفاقية أوسلو 1993. كما تستعد هذه الأيام لإطلاق حملة دولية للمطالبة بتحرير جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، وضد ما يسمى «مقابر الأرقام» التي يحتجز الاحتلال ضمنها مئات الشهداء، منذ انطلاق الثورة الفلسطينية حتى اليوم، ومنطق هذه الحملة هو الواجب تجاه عوائل «الشهداء الأسرى»، ومن أجل وحدة الشعب والقضية والحقوق، وبناء جسور النضال والعودة بين المنفى والوطن.
حملات صهيونية…ومبادرات لا تتوقف
لا تتوقف الحملات الصهيونية ضد «صامدون»، عبر التحريض المستمر، ومحاولات تجريمها بذرائع مختلفة، منها الربط بينها وبين «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ربطاً بما يسمى بـ«المنظمات المدرجة على قوائم الإرهاب».
تعرضت كوادر «صامدون» خلال السنوات العشر الماضية لكل أشكال القمع والتضييق، بما في ذلك التهديد المباشر والإبعاد والترحيل، وصولاً إلى التهديد بالسلاح والضرب والاعتقال. ففي بلد مثل ألمانيا مثلاً، تواجه الشبكة حملة صهيونية وفاشية مستمرة وممنهجة من التضييق، إضافة إلى أشكال متعددة من إرهاب الدولة.
إلا أن كل محاولات القمع والترهيب فشلت في التأثير على تطور وسير العمل، وعلى العكس تماماً، فإن عضوية «صامدون» تتوسع، وينتمي إليها عدد أكبر من الشباب الفلسطيني والعربي في أكثر من بلد، وهؤلاء يقودون الفعاليات اليوم في مختلف الساحات. يأتي هذا إيماناً بأن المواجهة المستمرة مع العدو الصهيوني وحلفائه، تشكل في الحقيقة، أحد أهم مصادر القوة ومراكمة التأثير والفعل. فمثلاً تعمل «صامدون» على تنظيم الأسبوع العالمي للتضامن مع قادة يساريين، مثل الأسير والقائد الوطني أحمد سعدات، الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية» الذي اختطفته أجهزة السلطة الفلسطينية في 15 كانون الثاني 2002، واعتقلته مع رفاقه في سجن أريحا لمدة 4 سنوات، لتعود قوات الاحتلال وتختطفه في 15 آذار 2006. كما تنظّم رابطة «فلسطين ستنتصر»، إحدى أهم المنظمات المنضوية في «صامدون»، حملات التضامن مع الأسير العربي اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، المعتقل في السجون الفرنسية منذ عام 1984، وجزء من النضال من أجل تحرير عبد الله نقل فكره ومواقفه إلى مساحات شعبية واسعة، بعد تغييب قضيته عقوداً من الزمن.
واستناداً إلى هذه الرؤية النضالية والسياسية لدى «صامدون»، تدعم الشبكة نضالات المعتقلين السياسيين في العالم، عبر صياغة علاقات مباشرة بين الحركة الوطنية الأسيرة في فلسطين والحركات الثورية حول العالم، ضمن رؤيا جوهرها الدور الاستراتيجي المهم، والموقع الذي تمثّله الحركة الأسيرة، كإحدى أهم قواعد المواجهة والمقاومة اليومية، وعلى أساس أنها تشكل القيادة الوطنية الموثوقة لدى الشعب الفلسطيني. وعليه، فإن «صامدون» تنظر إلى الحركة الأسيرة باعتبارها خط الدفاع الأول عن شعبنا، وأنها تمثل مرجعية وطنية، لها الدور المؤثر والفاعل في القرار السياسي الفلسطيني، وفي رسم استراتيجية العودة والتحرير.
المقاومة والجماهير
تنحاز «صامدون» إلى المقاومة الفلسطينية واللبنانية المُسلّحة، وتعتبر تحرير الأسرى مهمّة أساسية، تتحقق بالفعل المقاوم، وفي الوقت ذاته، ترى أهمية خاصة للدور الجماهيري والإعلامي والسياسي والثقافي في نشر صوت الأسرى والدفاع عن حقوقهم على المستوى الدولي، كما ترى أن هذه المسؤولية يجب أن تظل ثابتة على أجندة الشعب الفلسطيني في الشتات، وعلى برنامج أنصار فلسطين، وقوى التحرر وحركات المقاطعة الدولية.
وضمن ما تفعله «صامدون» لتحقيق تلك الرؤيا، تنشر على موقعها الإلكتروني، بعشر لغات، تقارير شبه يومية عن جرائم الاحتلال بحق الأسيرات والأسرى، وتدعو أنصارها وكل من تصل إليهم الشبكة، إلى كتابة الرسائل إلى الأسرى وتوجيه الرسائل إليهم.
تعتمد «صامدون» في صياغة مواقفها واستراتيجية عملها على الرؤيا النضالية التي يُعبّر عنها الأسرى أنفسهم، وتصل من داخل السجون الصهيونية يومياً. كما تتابع المقالات والدراسات والكتب ومختلف التوجيهات الصادرة من قيادة الحركة الأسيرة. وتقوم بترجمتها وتعميمها على الأعضاء والأنصار.
كما تعبّر «صامدون» عن نهجها وخطها الذي لا تحيد عنه، موقفها الجذري من الكيان الصهيوني أنه كيان عنصري استيطاني، لا بدّ من إزالته بالقوة من كل فلسطين المحتلة، من النهر إلى البحر، كما ترى أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين هو جوهر قضية الشعب الفلسطيني، كما قضية الأسرى، بوصفها قضية الحرية بمعناها الشامل، وعليه، الهدف تحرير الأرض والإنسان.
* منسّق «شبكة صامدون» في أوروبا