يوسف خندقجي في ندوة عن رواية “قناع لون السماء” في المؤسسة الكندية الفلسطينية بمونتريال: دحض التزييف الإسرائيلي للتاريخ

دارين حوماني ـ صدى اونلاين

نقلًا عن صحيفة “صدى المشرق ” في كندا

يجتاز حدود سجنه، فيكتب مقالة ثم بحثًا ثم شعرًا ثم رواية، رواية يجب عنونتها بصوت الأرض الموجوعة، صوت قادم من جحيم الأسر؛ كيف لأسير بعد عشرين عامًا من أسره أن يكتب بهذه البراعة التجريبية وبناء الشخصيات وبذاكرة الأماكن، وبهذا الاسترسال الفكري والتاريخي والسرد النفسي المتعدّد الطبقات، وهو يدرك أنه محكوم عليه بالسجن مدى الحياة لثلاث مرات، أي أنه لن يرى نابلس مكان ولادته مرة أخرى ولا القدس ولا مخيّمه من جديد. بأي قلب يكتب هذا الأسير الذي يعلّمنا جميعًا كيف يجب أن تمرّ حياتنا..  الأديب والأسير باسم خندقجي وروايته “قناع بلون السماء” (دار الآداب، 2023) الفائزة بجائزة بوكر العربية لعام 2024، كانت محور لقاء عُقد في مقرّ المؤسسة الكندية الفلسطينية في مونتريال يوم أمس الأحد في 23 حزيران/ يونيو 2024 دعت إليه الكاتبة هناء الرملي ضمن لقاءات “نادي الكتاب- 13 تحت الشمس” وكان ضيف اللقاء يوسف خندقجي، شقيق باسم خندقجي عبر منصة الزووم. وقد حضر اللقاء نخبة من المثقفين والمهتمين بالأدب في مونتريال.  

ياسر سليمان

وكان ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء جائزة بوكر العربية في بيان الجائزة قال عن الرواية: “تجول رواية باسم خندقجي قناع بلون السماء في عوالم يتقاطع فيها الحاضر مع الماضي في محاولات من الكشف الذي ترتطم به الأنا بالآخر. كلاهما من المعذّبين في الأرض، إلّا أنَّ أحدهما هو ضحية الآخر. في هذه العلاقة، تصبح النكبة الفلسطينية نصبًا تذكاريًّا بصفتها أثرًا من آثار كارثة إنسانية لا علاقة لضحية الضحية فيها. في نهاية المطاف، ينزاح قناع البطل بفعل سماء حيفاوية، لتطل من خلالها مريم المجدلية التي طفق البطل يبحث عنها؛ ليحرّرها من براثن دان براون في روايته شيفرة دافنشي. تحفر رواية باسم خندقجي في أعماق الأرض؛ لتستنطق طبقاتها مفصحة عن سرديتها بلغة عربية صافية تجافي التكلّف وترفض الإغراق في اجترار الوجع”.

نبيل سليمان

كما قال رئيس لجنة الجائزة الروائي السوري نبيل سليمان: “يندمج في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة. روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككًا الواقع المعقد المرير، والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقّد فيها النبض الإنساني الحار ضد التخوين، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوه البشر. إنها رواية تعلن الحب والصداقة هويةً للإنسان فوق كل الانتماءات”.

عن ماذا تتحث الرواية ؟

الرواية تتحدث عن نور، الشاب الفلسطيني، وهو عالم آثار، يقيم في أحد المخيّمات في فلسطين. ذات يوم يجد هوية “إسرائيلية” في جيب معطف اشتراه من سوق عتيق في يافا، تحمل اسم “أور شابيرا”. يرتدي قناع هذه الشخصية الإسرائيلية “أور” وينضم إلى بعثة تنقيب في إحدى المستعمرات لهدف البحث عن أي شيء يخص “مريم المجدلية”. له صديق في الأسر اسمه مراد يطلب منه مرارًا التخلي عن بحثه عن مريم المجدلية، والاشتغال على قضايا معاصرة مثل قضية بيوت أهالي حي الجراح التي ينوي النظام الاستعماري الصهيوني إخلاءها وطرد سكانها. ومن خلال الأحداث في رحلة التنقيب، يتبدى لنور كيف طُمرت قرى فلسطينية وتم تشييد مستعمرات فوقها، يقف هناك بين السردية الفلسطينية الأصلية المهمشة والسردية الإسرائيلية السائدة الكاذبة، وتظهر له المسافة الفاصلة بين نور وأور، بين أن يُعامل كإنسان مع هوية زرقاء وهوية التهميش والمعاناة والاقتلاع، يقول أور لنور في الرواية “أنت أصبحت إنسانًا بفضلي، بفضل هويتي”.  

الصحافية هديل البلبيسي

بدأ اللقاء بتعريف من الناشطة في المؤسسة الكندية الفلسطينية الصحافية هديل البلبيسي عن باسم خندقجي وهو المولود في نابلس عام 1983، ومناضل ومثقف مشتبك، درس العلوم السياسية ثم انتقل إلى قسم الصحافة والإعلام في جامعة “النجاح” لكن تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل تخرّجه بعام، وتم الحكم عليه بثلاث مؤبدات. في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 نفّذت المقاومة الفلسطينية عملية فدائية كان نتيجتها مقتل ثلاث إسرائيليين و50 جريحًا، وكان باسم من ضمن الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال بتهمة التخطيط لهذه العملية، وتم اعتقاله، وفي 7 حزيران/ يونيو 2005 وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة 3 مرات، ودفع 11 مليون و600 ألف دولار تعويضًا لعائلات القتلى. وأضافت بلبيسي أن رحلة باسم لم تنتهِ هنا، بل أكمل دراسته وهو في السجن من جامعة القدس، وكانت رسالة تخرّجه عن “الدراسات الإسرائيلية في العلوم السياسية” بالتزامن مع بداية إبداعه في الكتابة الأدبية.

يوسف خندقجي

ثم تحدث يوسف خندقجي للحاضرين، ومما قال:

“تحياتي لكم من فلسطين، أود أولًا أن أطمئنكم عن باسم، هو بخير، ويقبع في سجن ريمون جنوب فلسطين المحتلة، لكن يبقى السجن سجنًا. نحن نتكلم عن 9500 فلسطيني يتعرضون لهجمات شرسة من قبل إدارة المعتقلات، علم باسم بفوز روايته عندما اقتادوه للتحقيق من قبل مخابرات الاحتلال، من خلال الأسئلة علم بأنه فاز بجائزة البوكر، وهذا الأمر لم يرق لضباط المخابرات، ولكن شاء القدر بأن باسم لم يتعرّض للعزل الانفرادي مثلما تعرّض سابقًا عدة مرات، وآخرها لما وصلت هذه الرواية للقائمة القصيرة لجائزة البوكر في آذار/ مارس الماضي، تم عزله في السجن الانفرادي لمدة شهر”.

ثم تحدث خندقجي عن إنتاجات أخيه الأدبية، ومما قال:

“ما قبل الاعتقال نتكلم عن باسم القارئ المثقف والروائي اليساري التقدمي. نشأ باسم تحت ظل عائلة لديها مكتبتين في نابلس، إحداهما ‘المكتبة الشعبية‘ وعمرها 155 عامًا. بدأ باسم رحلته بقراءة النصوص القصيرة والروايات، كان قارئًا منذ الصغر وقد تنبأ الشاعر سميح محسن لمستقبل باسم الأدبي والثقافي. كتب باسم نصوصًا وقصصًا قصيرة قبل الاعتقال، ثم أكمل مسيرته الأدبية خلال تنقله بين السجون، حيث بدأ بكتابة المقالات النثرية والفكرية والسياسية، صدر له أول كتاب وفيه 10 مقالات تحمل عنوان “مسودات عاشق وطن”، ثم كتاب “هكذا تُحتضر الإنسانية” وفيه 30 مقالًا عن الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، وتعرّض يومها للعزل الانفرادي بسبب هذا الكتاب لمدة 6 أشهر. ثم نشر ديوانه الشعري الأول “طقوس المرة الأولى” وكان من تقديم الشاعر زاهي وهبي، ثم “أنفاس قصيدة ليلية”، ثم رواية “مسك الكفاية” التي تسبّبت بعزل باسم انفراديًا، ثم رواية “نرجس العزلة”، ورواية “خسوف بدر الدين”، ورواية “أنفاس امرأة مخذولة”، ثم رواية “قناع بلون السماء” التي فازت من بين 133 رواية لعام 2024، وقد خرجت هذه الرواية من السجن بصعوبة كبيرة. كان الاحتلال بدأ يضيّق أكثر على كل ما يخص الكتابة، ليس فقط مع باسم، بل مع أسرى آخرين يُبدعون في كتاباتهم. والملاحظة المهمة، باسم لم يكتب أدب سجون، كتب أدب من داخل المعتقل، لأنه أراد أن يخرج من الحيّز المكاني والزماني. أنت هناك مقيّد داخل المعتقل، لن تستطيع أن تكتب عن تجربتك داخل المعتقل، فأصرّ باسم إذا تم الإفراج عنه، بأنه سيكتب عن سيرته الذاتية داخل السجن. “قناع بلون السماء” هي جزء أول من “ثلاثية المرايا” وسيتبعها جزئين آخرين، الجزء الثاني تم الإفراج عنه قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وسيصدر في كتاب بداية شباط/ فبراير 2025. حين أتكلم عن باسم، أتكلم عن معتقلين آخرين، كتبوا أدب سجون رائع، ولكن لم يكن هناك متابعة لإنتاجاتهم من قبل مؤسسة معينة من خارج السجن، فقط أهاليهم يقرأون لهم. عام 2013 عندما استضفنا الروائي الجزائري واسيني الأعرج، أنشأ باسم “صندوق دعم الكتّاب الأسرى”، وتبرّع بجزء من المال وتبنّى إصدار ودعم أدب الأسرى الفلسطينيين، ونحن في المكتبة الشعبية أخذنا على عاتقنا أن ننشر أيضًا أدب أسرى، وأنتجنا أكثر من 20 عملًا للأسرى الفلسطينيين، وهناك طلب كبير على أدب الأسرى، وآمل أن يكون هناك اهتمام من قبل جهات مختصة، لأجل فلسطين ولأجل الأسرى”.

هناء الرملي

ثم سألته هناء الرملي عن دوره في أعمال باسم خندقجي وعن علاقته به حيث كان يوسف لا يزال طالبًا في المدرسة عند اعتقال باسم، أجاب: “بالوقت الحالي، باسم صديقي وليس شقيقي. الاحتلال حرمني شقيقي، بعد 20 عامًا أقول أنه صديقي، عندما كنا نتكلم عن طريق الهواتف المهرّبة، كنا نحكي بالمجال الأدبي، وعن المواد التي كان يطلبها لكتابة رواياته، هناك مسؤولية صعبة جدًا، صعبة، أخذت على عاتقي أن أتحمّل هذه المسؤولية. كلنا نعرف أن الكتابة داخل السجون ليست سهلة، أتذكر في رواية “خسوف بدر الدين” أُخرجت بصعوبة بالغة جدًا. وطريقة إدخال الكتب لم تكن سهلة أبدًا، مع باسم ومع الكتّاب الأسرى الآخرين، حيث كانت تتم محاربتهم من قبل إدارة المعتقل، فيتم عزلهم أو تتم معاقبتهم، ولكن، تمكنّا من إدخال المواد عن طريق أهالي أسرى. كنا نضطر لتغيير أغلفة الكتب، نضع أغلفة لكتّاب آخرين، وأحيانًا نضع في بداية الكتب أوراقًا من كتب أخرى، بحال فتحت إدارة المعتقل الكتب. أما إخراج مسودّات الكتب من داخل السجن فهناك كانت الصعوبة الأكبر، أحيانًا تخرج عن طريق أسرى محرّرين وأحيانًا عن طريق البريد، تصل “مجعلكة” وناقصة. أتذكر رواية “قناع بلون السماء”، وصلتني بصورة يرثى لها، وكأن الاحتلال كان يبحث عن رصاصة، كانت شبة مدمّرة، قصاصات ورقية فظيعة، ولكن استطعنا تجميعها وتحريرها نصّيًا وأطلعت باسم على بعض الأمور وقام بتصحيحها وقام بإخراجها بطريقة أخرى”.

وعلّقت الرملي أنه لمن لا يعرف، فإن عائلة خندقجي لديها مكتبتين في نابلس، مكتبة “العم صالح”، والمكتبة الشعبية، ومن خلال إدخال الكتب للسجون الإسرائيلية استطاع باسم أن يشكّل مكتبة خاصة للأسرى في السجن، وكان يتم تداول الكتب في السجن.

كما أضاف خندقجي: “الحركة الثقافية في السجون كانت شبه معدومة سابقًا، كان الأسير الشهيد معلمنا وليد دقة، والصديق ناصر أبو السرور، والأسير حسن سلامة، يكتبون. باسم ربما أحيا الحركة الثقافية داخل السجون بعد العام 2004، بشهادة الأسرى المحرّرين الذين كتبوا داخل السجن. وهذا فخر لنا جميعًا. وقد أهدى باسم جائزة بوكر لأبناء وشهداء غزة التي تتعرض لإبادة جماعية رغم صمت هذا العالم المعيب”.

ثم تناولت الرملي أحداث الرواية، بأنها تدور عام 2021 بالتزامن مع أحداث حي الجراح وفيروس كورونا. وأن بطل الرواية نور مهدي الشهدي شاب فلسطيني له ملامح أشكنازية، (أصول اليهود الأشكناز من وسط وشرق أوروبا). وهو باحث له شغف كبير بالبحث عن أسرار مريم المجدلية، ويحلم أن يكتب عنها رواية، كان هدفه رد اعتبار لها ورفع الظلم عنها، لتدحض السردية الإسرائيلية عنها، وكذلك ليدحض ما جاء في رواية “شيفرة دافنشي” للمؤلف الأميركي دان براون. بطل الرواية له أب وأم غائبين، الأم فارقت الحياة عند ولادته، وغياب الأب هو التقوقع داخل عالمه بعد خروج وتنكر أصدقاؤه لمبادئ النضال حيث باعوا تاريخهم للمناصب والثروة.

وعلّق يوسف خندقجي: “أور تعني نور، المصادفة التي قادت نور أن يتسجل في معهد أولبرايت للتنقيب، والأمر الثاني هو رمزية الرواية، مريم المجدلية ورمزية سناء إسماعيل. رمزية سناء ترمز للقضية الفلسطينية، تلتقي به أثناء حملة التنقيب وبنهاية الرواية تعرف أنه فلسطيني ومنتحل لشخصية إسرائيلية. مريم المجدلية حاول باسم تجريدها من الطعونات، ويتساءل لماذا لم يهتم بها الشرق، واهتم بها الغرب”.

آراء الحاضرين

وقد بدأ الحاضرون بمشاركة آرائهم وانطباعاتهم.

فقالت هديل البلبيسي إن الرواية سلسة وتشبهنا، وإنها شعرت بأن الكاتب يريد أن يكتب للحفاظ على ذاكرته، ثم تضيف: “سمعت أن الأسرى الفلسطينيون يكتبون ما يحصل لخوفهم من فقدان ذاكرتهم، أحببت التناقض بينه وبين نفسه، اختبر كيف يتم التعامل معه حين يكون معه هوية إسرائيلية، ولكنه في الوقت نفسه كان يشعر بالغيرة أنه فلسطيني ومضطر أن يلبس قناعًا إسرائيليًا”.

وقالت إنعام حلس، رئيسة مجلس إدارة “جمعية زاخر” في شرق غزة (الشجاعية) التي تُعنى بالمرأة والطفل، إن انطباعها عن الرواية هو كمية القهر، والتناقض بين الشخصيتين. والقهر الأكبر في رواية باسم، هي يوم زيارة أم مراد لابنها، تخرج من الفجر لركوب الباص للذهاب إلى السجن في موعد زيارة ابنها، وأضافت “هذه معاناة كنا نتابعها مع كل زيارة لأختي في فلسطين لابنها. مرة واحدة سمحوا لأمي، وهي جدة هيثم ومالك وحسام وكلهم في المعتقلات الإسرائيلية، بزيارتهم، والزيارة تشبه الوصول للموت. الكاتب حكى عن معاناة أمهات الأسرى. كما تكلم عن القهر حين ننتحل نحن الفلسطينيين شخصية إسرائيلية، كمية القهر في الكتاب كبيرة، وهي حقيقية”، ثم تحدثت عن تجربة لها بانتحال شخصية إسرائيلية للمرور من رام الله للقدس.

وقالت إحدى المشاركات، واسمها أمامة وهي معلمة لغة عربية، إنه لفت انتباهها أن الرواية تُظهر أن القضية الفلسطينية هي قضية وجودية تاريخية ولا يمكن إلغاءها رغم كل الممارسات الإسرائيلية، كما لفت انتباهها البحث عن مريم المجدلية ما يعني أنه ليس بحثًا دينيًا بل هو رمز للبحث عن فلسطين العربية والوجودية، التي لها ظلال في التاريخ ولا يمكن إلغاءها، كما تحدثت عن تغييب بطرس لمريم المجدلية، وإذا كان يحمل شيئًا من اليهودية لكي يعمل على تغييبها ومحاربتها، وعن نور حين تخلص من ازدواجيته ورمى نجمة داوود من على صدره، كما لفتتها تلك الحوارات بين نور وأور، حين يقف عند المرآة ويقول أنه سيخلع هذه القناع “كأننا أمام إعادة فلسطين إلى وجهها الحقيقي”.

وقالت الفنانة التشكيلية لولوة أبو رمضان من غزة، “تتميز الرواية بالسلاسة، لكني وجدت أن وجود مريم المجدلية في الرواية نوع من الإقحام، وهي تحتاج لنوع من بحث خاص، وليس رواية. وتوقعت أن تكون حبكة الرواية أقوى، على الرغم من أن الأديب باسم قوي في تركيب شخصية نور، الحبكة عادية، وتوقعت نهاية أقوى. الحوارات مهمة جدًا بين نور وأور وعميقة”. 

وتحدثت كاتبة هذه السطور عن عدد من النقاط أبرزها، أهمية ما ورد في الرواية عن تضامن “سناء” الفلسطينية مع ضحايا المحرقة ولكن ضمن رؤية إنسانية وليس صهيونية، فهي ضد صهينة الهولوكست وإحالتها إلى منظومة تحمي وتشرّع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين منذ النكبة، خصوصًا أن هذه الرواية ستُترجم إلى لغات عالمية، ومن المهم أن يدرك الغرب والعالم عدم مشكلة الفلسطيني مع اليهودي بل وتعاطفه معه، بسبب تهم معاداة السامية، بل أن المشكلة هي مع الحركة الصهيونية. كما تحدثت عن أهمية الرواية في سردها لتاريخية الآثار، حيث يقول رئيس بعثة التنقيب أن الحجارة توراتية لتجيبه إحدى الباحثات البلجيكيات أنها خبيرة آثار وتستطيع معرفة إذا كانت هذه الحجارة توراتية أم أنقاض قرية عريية مهجّرة في حروب “الاستقلال” الإسرائيلية. وكذلك أهمية حديث الكاتب عند وقوف مجموعة التنقيب عند مستعمرة مشعار هميمق أنها مقامة على أنقاض قرية أبو شوشة حيث وقعت أكبر معركة عام 1948، وهذين التفصيلين من ضمن تفصيلات عديدة في الكتاب تدحض فكرة مسايرة التطبيع التي وجهّها بعض النقاد للرواية.

وعلّق خندقجي أن الرواية تفضح ممارسات الاحتلال ما قبل وما بعد النكبة، وحاول باسم من خلال هذه الرواية كشف حقيقة الاحتلال وأن الحركة الصهيونية الدينية تختلف عن اليهودية، وإظهار صورة فلسطين التي يسعى الاحتلال من خلال رواياته الكاذبة بإظهار ما لديه، ويحاول الترويج أن الفلسطينيين معادون للسامية.

 كما أجاب لولوة رمضان عن أن باسم كان متعمقًا بالتاريخ العباسي وتاريخ المماليك، لذلك أراد أن يكتب تجربة فردية عن مريم المجدلية، وأن هناك جزءًا ثانيًا للرواية، فهي لم تنته بعد.

ثم قالت الدكتورة فدوى الظاهر “حضرت ندوتين للتحليل عن الرواية، وما لفت نظري وجود نقاد، اتهموا الرواية اتهام كبير بأنها رواية مخترقة، تمشي مع سياسة التطبيع وتثبت أحقية اليهود بالأرض. نحن نحترم الرأي والرأي الآخر، ولن نسمع لهذه الأصوات السلبية التي تريد أن تطغى على فرحتنا بفوز أسير فلسطيني بالجائزة، وبالتأكيد لا نتأثر بالرأي الآخر لأن له هدف آخر”.

فردّ يوسف خندقجي: “كيف يتهمون الرواية بالتطبيع وقد وقف نور في القدس الغربية مستنكرًا وجود الاحتلال وتخيّل أنه يقول للسيّاح: ‘لا يوجد شمشون هنا ولا من يحزنون.. هنا حيث تقفون تقع أنقاض وأطلال القرية العربية الفلسطينية صرعة التي نكبت وهجّر أهلها عام 1948 ويقبعون الآن لاجئين في مخيمات اللجوء، ودمّرت العصابات الصهيونية القرية لتشيد مكانها كيبوتس صرعة‘. كيف يتم إنكار وجود أسير فلسطيني محكوم 3 مؤبدات، ويُقال كيف تم إدخال هذه المعلومات التاريخية له في السجن، ويُقال أن باسم ليس الذي كتب رواية، فليدخل من يتهم بذلك إلى السجن ويرى كمية التحايل على أعتى منظومة أمنية تحدّيناها، وطبعًا المقاومة في لبنان، كل الشكر لها دمّرت هذه المنظومة، سحقتها سحقًا، نحن تحدّينا أعتى منظومة أمنية في العالم، كان الاحتلال يتفاخر فيها”. وأضاف خندقجي “لقد ردّ الروائي نبيل سليمان رئيس لجنة البوكر على هذه الاتهامات في مقال له، وأضيف أن هناك كتابًا أسرى، كتبوا أفضل من باسم، ونفتخر بكتاباتهم، لأنهم كتبوا من رحم المعاناة. أنا كيوسف ممنوع من الدخول للأراضي المحتلة، ما يسمى أراضي 48، لغاية اليوم بحياتي لم أرَ البحر، محروم من أبسط حقوقي. فإذا ذكر باسم في روايته انتحال نور لشخصية أور الإسرائيلية  كي يستطيع أن يستكشف ويُظهر الحقيقة”. 

وردّت الرملي أن العديد من الكتّاب مأجورون ليكونوا أبواقًا لجهات معينة أو أداة في يد من يمتلك الثروة، وهم مخترقون. فكرة أن الاحتلال يقتل سمعة بطل هي أسهل شيء يمكن أن يقوم به، سمعة مناضل مثل باسم يبث رسائله من داخل السجن.

وسأل الصحافي الجزائري سمير بن جعفر “في الرواية يقول الكاتب، العربية لغة قلب، الإنكليزية لغة عقل، العبرية لغة ملامح أشكنازية، ويسميها اللغة العبرية كغنيمة حرب، سؤالي، ما هي مشاريع ترجمة هذه الرواية لكي تصل إلى القارئ، هل من مشروع لترجمتها للفرنسية؟”.

وردّ يوسف بأن إدارة الجائزة ستترجم الرواية للغات الإنكليزية، الفرنسة، الإسبانية، البرتغالية، التركية، وعدد آخر من اللغات. دار النشر هي التي تشتغل على عقود الترجمة. خلال العام 2025 ستصدر الترجمات الإنكليزية والفرنسية.   

وقدّمت ليلى، التي عرّفت عن نفسها بأنها لاجئة فلسطينية في كندا، نقدًا للرواية، وقالت أن نور كان حريصًا أن لا يسمّى ما يحصل معه ازدواجية، كان أور مجرد قناع للدخول للأراضي الفلسطينية التي لا يستطيع الوصول لها. وأضافت أن الناس الذين لم يعيشوا في فلسطين لا يعرفون صعوبة حياة الفلسطينين هناك. وتحدثت عن البعد النفسي في الرواية ضمن الحوارات بين نور وأور، والتي كانت ضعيفة في البداية ثم أصبحت عميقة.

وردّ يوسف أنه يتوقع أن باسم اشتغل على قضية الانتحال من ناحية نفسية، لذلك بدت الحوارات ضعيفة بين نور وأور في البداية ثم أصبحت أكثر نضجًا، وفيها رسائل سياسية. وقال أن الجزء الثاني سوف يفضح أور، حيث سيظهر وسيفتش عن نور. كما تحدث يوسف عن حرص مراد من السجن على نور، حيث كان يقول له كل الوقت أن لا يخوض هذه المغامرة، لكن نور أصّر. وختم “كل الأسرى الفلسطينين عندهم حرص على غيرهم في الخارج”.

وتحدثت إحدى الحاضرات، وتدعى ضحى، بأن أفضل طريقة لنعرف أن الرواية ليست تطبيعًا هي أن نقرأ الرواية، التطبيع شيء اخترعوه للإساءة للرواية وللكاتب، وأضافت “باعتباري سورية لا أعرف المعاناة الحقيقية للفلسطينين، هذه الرواية أظهرت لنا المعاناة الحقيقية والضغوط في فلسطين. في الرواية معلومات تاريخية ثقيلة ومهمة، ومن الصعب إدخالها في الرواية دون الوقوع في فخ أن تكون مجرد تأريخ، وقد نجح باسم في ذلك”.

كما شاركت إحدى الحاضرات، وتدعى مجد، فقالت “أحسستها روايتين في رواية، رواية نور وأور ورواية مريم المجدلية، وأحببت عبارة في الرواية ‘ليس ثمة معنى لاسم المخيم الفلسطيني إلا عندما تُرتكب فيه المجزرة‘. وتظهر الرواية كيف يتم تزييف التاريخ، ثم سألت يوسف عن سبب استشهاد باسم بالمسيحية الغنوصية، معتبرة أن استشهاده بالغنوصية سقطة. ولماذا يهتم نور بالمجدلية، حيث يعتبر الغرب أن المسيح تزوج مريم المجدلية وأنجب أولادًا، هنا كأن باسم يدعم هذه الفكرة عبر الحديث عن علاقة خاصة مع المسيح. وردّ يوسف خندقجي أن إيراد الغنوصية نوع من الجدل، وهم موجودون في شمال فلسطين، وأن عبارات كثيرة في الرواية تدل على علاقة عرفانية بين المسيح والمجدلية ذات بُعد روحي، بل يدحض كل علاقة مختلفة بينهما. 

وختمت الرملي الجلسة بعبارة مهمة من مقدمة الرواية، يقول فيها باسم: “سأحاول فعل الرواية، سأرتكبها بكل ما أوتيت من مرة أولى وتخيّل، سأرد على الخيال بمثله وأكثر، فما التاريخ في النهاية سوى تخيّل معقلن”.

هي عبارة يؤكد من خلالها خندقجي أن الروايات الإسرائيلية عن فلسطين خيالية، ويؤكدها خندقجي مرارًا في روايته “سجن مجدو ثم غابة مجدو ثم مستوطنة مجدو.. إنه الإصرار على استلاب التاريخ وتقييده بالسيطرة والعنف”. كما يؤكد على أن ذلك القناع الإسرائيلي الذي وضعه ليس سوى مسخًا، يقول “ماسك Mask تُلفط بالعبرية مسخ، والمسخ بالعربية مشوّه الملامح، أنا لا أرتدي قناعًا، أنا أرتدي مسخًا، بل أنا هو المسخ الذي ولد من رحم النكبة، والأزقة والحيرة والغربة والصمت: صمت أبي وموت أمي، ومطاردتي في المخيم باسم “السكناجي” ولدتُ من رحم التهميش والتصنيف وسجنك يا مراد… هل من رحم تلدني مرة إنسانًا؟”.

رواية تختصر الوجع الفلسطيني وتدحض التزييف الإسرائيلي للتاريخ، و ما جعله يستحق جائزة بوكر بوصفها رواية مختلفة عن السائد تحثنا على البحث وتقدّم حقيقة بالغة الوضوح أمام العالم.