فلسطين المحتلة – خاص لـ شبكة صامدون
![Stop the Palestinian Authority's Attack on Jenin Camp Poster](https://i0.wp.com/samidoun.net/wp-content/uploads/2025/01/stop-pa-jenin.png?resize=1024%2C1024&ssl=1)
مقدمة: المواجهة المستمرة
بعد عشرين عام من الانتفاضة الثانية لم يكن يخطر ببال العدو أن القوة الخاصة التي ستقتحم جنين لاغتيال جميل العموري ورفيقه في حزيران 2021 انها كانت أداة غير واعية للتاريخ، حيث ان هذا الحدث قد حرك مئات البنادق التي ظهرت في ذات اليوم لتعلن بدء مرحلة تحرير الضفة الغربية.
بعد جميل العموري أعاد العدو غلطته مرات عديدة في اعلانه حملات عسكرية تدميرية تحول شوارع شمال الضفة الغربية إلى أرض سهلة لزراعة العبوات آخرها “مخيمات صيفية” التي استشهد فيها القائد أبو شجاع، التي واجهتها المقاومة بـ “رعب المخيمات”. بدأ العدوان الساعة الثانية صباحاً من يوم الأربعاء 28 آب 2024، وعند الفجر كان هناك 10 شهداء بقصف جوي من المقاتلين في جنين وطوباس. يشير زكريا زبيدي في رسالته لدرجة الماجستير “الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية 1968 – 2018” إلى أن العدو يعمد في تسمياته إلى ضرب الروح المعنوية لدى الشعب الفلسطيني، وخلال فترة الانتفاضة الثانية أطلق أسماء حملات عسكرية على جنين مثل: “لمّ القمامة”، “والبحث عن الجرذ الأسود” و”أوراق الشدَّة” و”سقوط الهرم”، و”دموع التنين”، وكذلك “رحلة بالألوان” عندما قصفت رام الله عام 2002 وهذه كلها بعد عملية “السور الواقي”. بعد أشهر قليلة من “رعب المخيمات” بدأت السلطة الفلسطينية حملة أمنية بأسم “حماية وطن” لتدمير مخيم جنين.
“حماية وطن”: تدمير المخيم
بدأت الحملة الأمنية “حماية وطن” في التاسع من كانون أول 2024 التي أسفرت حتى الآن عن استشهاد الصحافي
شذا الصباغ، والمطارد يزيد جعايصة، ومحمد الجلقموسي وابنه قسم، ومحمد أبو لبدة، ومجد زيدان، وربحي الشلبي، والفتى محمد العامر، وسائدة أبو بكر. والحملة المستمرة منذ شهر اعتمدت على حصار مخيم جنين، واعتقال الصحافيين بما فيهم الصحفي عبادة طحاينة والصحفي جراح خلف و247 شاب من جنين بحسب تصريحات الأجهزة الأمنية، ومنع قناة الجزيرة من التغطية والبث، ونشر قناصة على الأسطح، ونشر المدرعات واحتلال المستشفيات، وارهاب الناس بقنابل الغاز وضرب أي حراك احتجاجي أو تضامني، وحملة تشويه اعلامية وتكميم افوه ومعاقبة لكل من ينصر المقاومة.
أما عن أغرب ما يمكن تصوره وهو حصار فلسطيني لمخيم لاجئين حيث أن هذه ظاهرة غريبة كلياً ولم يشهد لها الشعب مثيل في تاريخه، رغم أن تاريخنا مليء بنماذج الحصار المأساوية في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وحرب المخيمات وحصار مخيمات غزة منذ 1967، والحصار المتكرر لمخيمات الضفة الغربية خلال فترة الثمانينات، ومعارك الانتفاضة الثانية، أما عن حصار فلسطيني لمخيم لاجئين فهذه أول حادثة، وفي هذا العدوان على مخيم جنين تفوقت السلطة الفلسطينية على ذاتها ولعبت الدور الذي كان تاريخياً يلعبه أعداء الشعب الفلسطيني.
!["ارفعوا أيديكم عن مخيم جنين، <strong>Hands Off Jenin Camp</strong>" من أرث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، الملصق الأصلي للفنان كريم دباح، "ارفعوا ايديكم عن مخيم الدهيشة" 1980s<strong>،</strong> من أرشيف جامعة بيرزيت.](https://i0.wp.com/samidoun.net/wp-content/uploads/2025/01/hands-off-jenin.png?resize=769%2C769&ssl=1)
منذ نشوء مشروع السلطة الفلسطينية بدأ خطاب الدولة والمواطنة يأخذ حيزاً واسعاً في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبحلول نهاية التسعينات تأسس تخصصات داخل الجامعات لتدريس حقوق الإنسان والقانون والديمقراطية، ونشأ عدد من المراكز والهيئات والمؤسسات التي تعزز خطاب المواطنة والحريات وحقوق الانسان مثل: “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (1993)”، “والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) (2000)، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني هناك ما لا يقل عن 10637 محامي مزاول في الضفة الغربية عدا عن مئات خريجين القانون والقانون الدولي وحقوق الإنسان سنوياً من الجامعات الفلسطينية. ورغم هذا ما نشهده أن السلطة الفلسطينية عند هذا العدوان عطلت المنظومة القانونية تماماً ولغت مفهوم المواطنة والحق في الحياة والمحاكمة العادلة وتجاوزت كل اتفاقيات مناهضة التعذيب وحريات الرأي والتعبير. فهي بدأت العدوان بدعوى “الخارجين عن القانون” لكن كل السوكيات كانت تكريس لحالة من الفوضى وتجاوز القانون من قبل السلطة، فهي حاصرت مدنيين لاجئين يقدر عددهم بالآلاف وقطعت عنهم الكهرباء والماء والوقود والغذاء والحق في التنقل والتعليم والحق في الرعاية الصحية. وقامت بعدد من الممارسات العنفية مثل القتل والاعتقال العشوائي والضرب والإذلال وحرق المنازل. واستخدمت السلطة الفلسطينية قاعدتها الشعبية المكونة بشكل رئيسي من تنظيم “فتح” من أجل تمرير الأجندة السياسية المرافقة للعدوان على مخيم جنين عبر ترهيب الناس وممارسة عنف ضدهم كما حصل في جامعة النجاح الوطنية وجامعة بيرزيت وعدد من المدن والقرى، وهذا اضافة لحالة من الفرجة والتلويح بالعنف التي ترافقت مع مهرجانات انطلاقة “فتح”. وكان في قتل الشهيد ربحي الشلبي والمطارد يزيد جعايصة والصحافية شذا الصباغ -وهي شقيقة الشهيد القسامي المعتصم بالله صباغ- أقسى درجات اظهار القصدية في تنفيذ حالات قتل واعدامات عن سبق اصرار كجزء من أهداف العدوان وفرض السيطرة بالدم. ورغم أن السلطة أعلنت في آب 2024 انها ستعمل على تشكيل وفد من أجل الذهاب إلى قطاع غزة كمحاولة لإنهاء الحرب، إلا أن فشلها في تقديم أي مساعدة إلى غزة، ومع التحولات التي حصلت في جبهات الاسناد دفعها للمشاركة المباشرة في العدوان على الشعب الفلسطيني بدلاً من فك الحصار عنه، وكان بدل توجه وفد من السلطة إلى غزة، توجهت الأجهزة الأمنية لحصار مخيم جنين وقتل سكانه.
إضافة إلى ذلك هناك خطاب يمكننا تصنيفه انه يقع في دائرة “الاستهبال” التي تمارسه السلطة الفلسطينية على نفسها وعلى الشعب الفلسطيني لتبرير عنف لا يمكن تبريره. ظلت محاولات السلطة لاحتواء حالة المقاومة في الشمال مستمرة منذ انطلاقها في 2021، وكانت ذروة التسلق حين أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس زيارة مخيم جنين بعد العدوان الإسرائيلي في تموز 2023 على المخيم، وورغم أن هذه الزيارة وغيرها لا قيمة عملية لها في تعزيز صمود المخيم، إلا أن السلطة وجدت ان محاربة حالة المقاومة أفضل أو هكذا اوعزت لها الإدارة الأمريكية والإسرائيلية. وخطاب “الخارجين عن القانون” هو ذروة “الإستهبال”، أولاً: عن أي قانون نتحدث؟ لماذا لا يعتبر المستوطنين الذين يحرقون القرى ويصادرون الأراضي “خارجين عن القانون” ولا نرى مصفحات السلطة تذهب لحماية بدو غور الأردن أو مسافر يطا؟ وأيضاً يعتبر اطلاق هذا المسمى على لاجئين محاصرين الكثير منهم مطاردين وعائلاتهم عائلات شهداء وأسرى وجرحى نوع من تبني الرواية الإسرائيلية بشأن حالة المقاومة وفيه الكثير من التشويه لرموز المجتمع الفلسطيني وكان قمة هذا الخطاب مع الشهيد محمد جابر (أبو شجاع) الذي مورست ضده درجة كبيرة من التشويه والدعاية المضللة إلى ان استشهد على يد العدو الإسرائيلي في 28 آب. أما عن منع التغطية الصحفية، وهي سياسة قمعية منافية لحقوق الإنسان، فالسؤال هو ماذا يمكن للصحفي/ة في جنين أن يصور خلال هذه الفترة؟ بعد منع التغطية الصحفية هناك العديد من الصحافيين طرحوا هذا السؤال، وهو منطقي، ماذا نصور؟ السماء الصافية رغم الدخان المنبعث من اللامكان؟ أم خلو الطرقات من المارة لأسباب غير معروفة؟ وبالتالي ان إدانة حالة المقاومة في جنين عبر خطاب “الخارجين عن القانون” ينافي السردية الفلسطينية وبالتحديد فيما يتعلق بموقع جنين في الوعي الفلسطيني التي استشهد على ترابها الثائر العربي السوري عز الدين القسام وعدد من مجموعته المسلحة عام 1935 وهم يقاتلون الإستعمار البريطاني.
![<strong>الشهيدة شذا الصباغ، 2024. </strong>](https://i0.wp.com/samidoun.net/wp-content/uploads/2025/01/shatha-sabagh.png?resize=1024%2C1024&ssl=1)
قصص من الكتيبة: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”
في رسالته لدرجة الماجستير يشير زكريا زبيدي إلى أن “المطاردة” لها حضور في المفردات النضالية الفلسطينية بشكل دائم، والمطاردة تعني التمرد على الزمان والمكان الاستعماري عبر المراهنة على الحياة، وعبر تتبع سير ذاتية وشهادات في احدى استنتاجاته يقول أن المطارد كشهيد-حي كان له الدور الأهم في تطوير مجمل الحركات الثورية في العالم وعبر التاريخ، بالتأكيد حين كان الزبيدي مطارداً ويكتب هذه السطور من ارث الشهداء والمناضلين وبالتجربة الحية لم يكن يخطر في باله أنه بعد سنوات قليلة أبنه الصغير محمد سيصبح واحداً من أبرز المطاردين إلى أن يرتقي شهيداً دون أن يحتضنه.
عندما سأل أحد الصحافيين الشهيد محمد شلبي عن أقبال المقاومين على المواجهة الشرسة حتى لو أدت إلى الاستشهاد. قال أن هذه الشراسة سببها العدو، فالمقاومة اليوم تقاتل أشرس عدو في التاريخ يملك قدرات تدميرية غير مسبوقة يستخدمها يومياً ضد الفلسطينيين في غزة، والشهيد محمد شلبي محامي من بلدة السيلة الحارثية متزوج وكان قد حصل على درجة البكالوريوس في القانون من الجامعة الأردنية، وماجستير في القانون الدولي من الجامعة الأمريكية في جنين. وقرر الالتحاق في الكتيبة والاستشهاد على طريق القدس في الثالث من آذار من هذا العام.
وسام خازم مقاوم شهيد يحمل الجنسية النرويجية عاش هناك لعشر سنوات وهو مهندس ومتزوج وله أبناء قرر الالتحاق في المقاومة تحت شعار “Existence is Resistance” –الوجود مقاومة- الذي كان محفوراً على بندقيته، وهو أبن عم الشهيد رعد خازم منفذ عملية تل أبيب 7 نيسان 2022 والشهيد نضال خازم قائد كتائب القسام الذي اغتالته قوة خاصة برفقة يوسف شريم في 16 آذار 2023. ووسام ارتقى بعد قصف سيارته في بلدة الزبابدة في 30 آب 2024 حين كان برفقة الأسير المحرر ميسرة مشارقة، وعرفات العامر. والأخير لم يكن مثله في الوفاء للشهداء، بعد استشهاد القادة والمؤسسين أمثال محمد حواشيين ومحمد الزبيدي وإسلام خمايسة وأحمد بركات ووئام حنون وأيسر وأيهم العامر هناك من تسلل إلى نفوسهم بعض الخوف والتردد في هذا الخيار، لكن هذا الشاب عرفات العامر لم يكن مثله أحد في الوفاء، وعند استحضار أي ذكرى لشهيد تنهمر من عينيه الدموع ويستعجل الالتحاق بهم. أما عن الشهيدة الطفلة لجين مصلح فقد كان طلتها الأخيرة من شباك منزلها في كفردان في الرابع من أيلول حين أطلق جنود العدو الرصاص عليها وأصابوها في رأسها وهي في السادسة عشر من عمرها، وكانت كما يقول والدها أنها من عمر العاشرة دائماً تتمنى الشهادة، عند رؤيتها لأي مسيرة لشهيد في بلدتها كفردان في جنين أو غزة كانت تقول “اتمنى أن يكون لي مسيرة مثل هذه”. وخط القرى، الذي حاول العدو تحييده كان بيئة مساندة للكتيبة في مخيم جنين، وقد شكلت ارهاقاً للعدو لدرجة انه اضطر لاستخدام سلاح الطيران في استهداف الشهيد ليث شواهنة في قرية السيلة الحارثية. أما عن كتيبة طوباس فقد قدمت أجمل مقاتليها شهداء الذين كانوا برفقة محمد زبيدي، أحمد فواز، وقصي عبد الرزاق، ومحمد أبو زاغة (من مخيم جنين)، ومحمد عوض، ومحمد أبو زينة. وبعد أيام ثلة من الشباب المقاتلين من عائلة صوافطة، وهم: محمد صوافطة ومجد صوافطة، ياسين صوافطة، وقيس صوافطة الذي سمي على أسم الشهيد قيس عدوان -أحد مقاتلين كتائب القسام في جامعة النجاح الذي استشهد في 4 نيسان 2002-. وطُلبة بشارات، وهو طالب مدرسة كان يومياً يقوم بصناعة العبوات حتى اتى يوم الحادي عشر من سبتمبر حين قصفته طائرة مسيرة برفقة ثلاثة شباب بالقرب من مسجد التوحيد في طوباس. أما عن الشهيدين محمد أبو طلال (حربوش) وأمجد القنيري فقد نصبا كمين في حارة الدمج في مخيم جنين وقد اوقعوا ضابط قتيل وعدد من الجرحى في “المخيمات الصيفية”.
!["مخيم جنين سيبقى رمزاً للصمود الفلسطيني" من أرث حصار مخيم تل الزعتر، الملصق الأصلي صادر عن م.ت.ف 1976، <a href="https://palarchive.org/index.php/Detail/objects/16383">من أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي.</a>](https://i0.wp.com/samidoun.net/wp-content/uploads/2025/01/1976-camp.jpg?resize=652%2C652&ssl=1)
خاتمة:
في كتاب “معركة مخيم جنين الكبرى 2002 التاريخ الحي” يقدم جمال حويل في خاتمته فكرة مفادها؛ أن الهزيمة العسكرية التي حدثت مع انتهاء المعركة يجب قراءتها بضوء الهزيمة خارج المخيم، في عقيدة المشروع الوطني للسلطة الفلسطينية. فبدايةً لم تشارك القيادة في الأجهزة الأمنية في وضع الخطط العسكرية للدفاع عن المخيم. وبقت هذه المهمة على المقاومين وبعض عناصر الأجهزة الأمنية بناءً على الخبرات البسيطة دون تخطيط علمي. أما عن التسليح فلم تشارك السلطة في ذروة الانتفاضة الثانية في تسليح المقاومين حتى أنها منعت وصول أسلحة مكدسة في مقار الأجهزة إلى المقاومين ولم يكن مع المقاومين إلا قذيفة (آر بي جي) واحدة عشية الاجتياح الصهيوني للمخيم. وخلال المعركة، وفي ذروة شعور الانتصار في اليوم التالي للكمين الذي قتل فيه 13 جندياً صهيونياً، كانت الاتصالات من بعض قيادات السلطة تدعوهم للاستسلام ولا جدوى القتال، وحتى المشاركة في الحرب النفسية. وبالنهاية أعدم أبو جندل في اليوم الثاني عشر. قد يكون الفارق الأساسي بين معركة 2002 وتجربة كتيبة جنين الحالية تكمن في كون حالة المقاومة الآن محاصرة بشكل مباشر من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فهي لم تكتفي فقط بعدم دعم الحالة وانما عملت على حصارها منذ سنوات وصولاً للعدوان المستمر منذ أكثر من شهر حيث الحصار العسكري والسياسي المباشر. أما عن العامل الثاني فهو قرار “الكتيبة” بالمواجهة إلى النهاية، هذا المستمد من قوى المقاومة في غزة الذي يستند على أرث عميق وقوة اقليمية رأس حربتها القوات المسلحة اليمنية التي استطاعت تطوير تكنولوجيا ونظرية قتالية قادرة على قتال أقوى دول العالم.
اكتشاف المزيد من شبكة صامدون للدّفاع عن الأسرى
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.