قواعد أمنية إسرائيلية في البرازيل — رواء الصغير

شركة “هاغانا” للأمن: الصهيونية تُسلّح البرازيل

في شوارعنا، في أبنيتنا، وفي أحيائنا المُسيّجة، تنمو بصمت منظومة ليست مجرد مشروع تجاري، بل مشروع أيديولوجي. اسمها: هاغانا للأمن. واسمها وحده ليس تفصيلاً. هو تحذير. إشارة إلى مشروع استعماري يجري استيراده من فلسطين المحتلة إلى أرض البرازيل.

هذا المقال ليس مجرد تحليل. إنه بيان اتهام سياسي وتقني. لكنه أيضًا صرخة مقاومة.

  1. اسم حربي: الذاكرة الاستعمارية محفورة في العلامة التجارية

“هاغانا” (بالعبرية: הגנה) لا تعني فقط “دفاع”. إنها اسم ميليشيا صهيونية تأسست عام 1920 لتنفيذ تطهير عرقي ضد الفلسطينيين. بين 1947 و1948، كانت الهاغانا مسؤولة عن مجازر مروعة، مثل مجزرة دير ياسين، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين وتدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية.

ما لا يعرفه الكثيرون هو أن هذه الميليشيا تعاونت مع النظام النازي في ثلاثينيات القرن العشرين من خلال ما عُرف بـ”اتفاقية هعفارا”، التي سمحت بهجرة اليهود الألمان إلى فلسطين مقابل امتيازات اقتصادية وتدريبات عسكرية مشتركة. نعم، عندما يتعلق الأمر بالاستعمار، تتحالف الأيديولوجيات الأكثر إجرامًا من أجل هدف واحد: احتلال الأرض واستبدال أهلها.

تسمية شركة أمنية في البرازيل بهذا الاسم ليست عفوية ولا تسويقية. إنها رسالة أيديولوجية واضحة: نحن امتداد لعقيدة الاحتلال والسيطرة.

 

  1. من الأراضي المحتلة إلى السوق البرازيلي: المؤسسون كامتداد للعقيدة العسكرية

أسس شركة “هاغانا” في البرازيل تشن جيلاد (Chen Gilad) وخوسيه-برناردو ماركوز (José-Bernardo Markuz) — وهما ضابطان سابقان في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بخلفية عسكرية واستخباراتية مباشرة من ميادين قمع الفلسطينيين.

  • تشن جيلاد، وهو ابن مهاجرين إسرائيليين، خدم في وحدات استخباراتية في غزة والضفة الغربية، حيث تخصص في مراقبة وتفكيك شبكات المقاومة المدنية. جلب إلى البرازيل عقيدة “العدو الداخلي”، التي تعتبر كل مدني مشروع تهديد يجب مراقبته.
  • خوسيه-برناردو ماركوز، خدم في وحدات تفتيش وحواجز ومشاريع مراقبة إلكترونية، وشارك في عمليات ضد المتظاهرين الفلسطينيين وضد نشطاء المجتمع المدني. وبعد انتهاء خدمته، عاد إلى البرازيل ليتولى الجانب التكنولوجي للشركة.

هذان الشخصان لم يأتيا بخبرة “أمنية” مدنية، بل بعقيدة قمع استعماري تحوّلت الآن إلى خدمة تجارية على أرضنا.

  1. التكنولوجيا كوسيلة للهيمنة: من فلسطين المحتلة إلى المدن المراقبة

لا تبيع “هاغانا” خدمات أمنية فقط، بل تقدم نموذجاً متكاملاً للرقابة والسيطرة، مبنيًا على تقنيات طُوّرت في بيئة استعمارية:

  • SIGAH: نظام للتعرف على الوجوه وتحليل الحركة في الزمن الحقيقي.
  • SABRAH: مساعد افتراضي بالذكاء الاصطناعي يدمج بين البصمة، والتحكم في الدخول، وتسجيل الزوار عبر واتساب.
  • CoSecurity: شبكة من الأعمدة الزرقاء المزودة بكاميرات في الأحياء الراقية؛ تضم أكثر من 3500 كاميرا و1200 عمود مراقبة في منطقة ساو باولو الكبرى.
  • خدمات مثل Fast Gate وFast Pass، والطائرات المسيرة، والبوابات الذكية، والإنذارات، والتحليلات المرئية، والتحكم عن بعد — كلها تشكل بنية شاملة للرقابة الأوتوماتيكية.

في فلسطين، استخدمت هذه التقنيات لتحديد النشطاء، ومعاقبة العائلات، ومراقبة الأحياء، وقمع الأطفال. واليوم، تُصدَّر نفس هذه التكنولوجيا إلى البرازيل، وتُطبَّق ضد سكان الأحياء الفقيرة والطبقة العاملة.

بلغت إيرادات الشركة في 2023 حوالي 890 مليون ريال برازيلي، مع توقع تجاوز مليار ريال في 2024، وتوسعها إلى كوريتيبا وبيلو هوريزونتي والجنوب. وتشغل حاليًا أكثر من 13 ألف موظف.

هذا ليس نجاحًا اقتصاديًا، بل توسع لعقيدة استعمارية رقمية.

  1. التواطؤ الرسمي: كيف يقبل النظام البرازيلي بهذا؟

الجانب الأخطر في هذا كله هو صمت الدولة البرازيلية وتواطؤها. كيف لدولة تدّعي السيادة أن تسمح لشركة أسسها جنود سابقون في جيش احتلال أن تعمل بحرية على أرضها؟ وأن تجمع بيانات الملايين؟ وأن تراقب المجتمعات المدنية بلا مساءلة؟

الدولة، بمؤسساتها المدنية والأمنية، تُطبع وجود “هاغانا” وكأنها شركة أمنية عادية. لا أحد يسأل عن خلفية مؤسسيها. لا أحد يراجع مصدر تقنياتها. لا أحد يناقش أهدافها الحقيقية.

هذا ليس خطأ بيروقراطيًا. إنه خيار سياسي.

ولهذا نقول بوضوح: لا يمكن مواجهة مشروع “هاغانا” دون مقاطعة هذا التواطؤ. ويجب قطع كل علاقة مؤسسية، قانونية، أو تجارية مع هذه الشركة فورًا.

  1. مشروع السيطرة: الخصخصة، الرقمنة، والتمييز

ما تفعله “هاغانا” هو خصخصة القمع وتحويل المدن إلى سجون رقمية. المستهدفون اليوم ليسوا فقط “اللصوص” كما يزعم التسويق، بل الفقراء، السود، سكان الأطراف، والناشطين.

إنه أبارتهايد خوارزمي، تتولى تنفيذه شركة استوردت نموذجًا استعماريًا واختبرته في فلسطين، وتبيعه اليوم كبضاعة في ساو باولو وريو وبيلو هوريزونتي.

ما يُباع على أنه “أمن خاص”، هو في جوهره استعمار داخلي معولم. تفكيك المجتمع المدني وتحويله إلى بيانات يمكن التحكم بها عن بُعد.

  1. المقاومة تبدأ بالمقاطعة: لا مستقبل لهذا المشروع بيننا

المطلوب الآن مقاطعة شاملة:

  • مقاطعة قانونية: منع العقود مع الدولة والمؤسسات العامة.
  • مقاطعة سياسية: فضح العلاقة بين هذه الشركة واللوبي الصهيوني في البرازيل.
  • مقاطعة شعبية: حملات لفضحها ورفض وجودها في الأحياء، والمدارس، والمراكز التجارية.

هاغانا” ليست مجرد شركة. إنها مشروع استعماري مقنع بواجهة رقمية.

تفكيك “هاغانا” هو تفكيك للاستعمار الرقمي، وتفكيك لتحالف رأسمالي-عنصري-صهيوني يُعيد إنتاج القمع بأدوات “ذكية”.

نحن لا نحتاج إلى المزيد من الرقابة. نحتاج إلى السيادة. نحتاج إلى حرية. نحتاج إلى مقاومة.

ومن فلسطين إلى البرازيل، كل مقاومة ضد الاستعمار… واحدة.

* رواء الصغير، منسقة شبكة “صامدون – البرازيل” وعضو الهيئة التنفيذية في حركة المسار الثوري البديل


اكتشاف المزيد من شبكة صامدون للدّفاع عن الأسرى

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.