أسرى ما قبل أوسلو: يحيى إغبارية، محمد جبارين، محمد فلنة، وضياء الآغا

“عمداء الأسرى” هو مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم في سجون العدو الصهيوني أكثر من 20 سنة متواصلة. مع مضي السنين، تحرر العديد من الأسرى الفلسطينيين عبر اتفاقياتٍ لتبادل الأسرى، مثل من أُفرج عنهم عام 1995 بعد اتفاقية أوسلو، أو صفقة تبادل الأسرى التي فرضها حزب الله في 2004 حيث تم تحرير 400 أسير فلسطيني، أو عملية وفاء الأحرار التي قامت بها حركة حماس عام 2011 حيث تم تحرير 1027 أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي شاليط، أو عام 2013 عندما أعلن الاحتلال عن الإفراج عن 104 أسير فلسطيني تزامناً مع عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات واستمرار التنسيق الأمني. ومع ذلك، فإن هناك العديد من الأسرى ذو العمليات النوعية، وبالأخص الأسرى من الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يرفض الاحتلال إدراجهم في هذه الصفقات تحت ذرائع أمنية أو بحجة حمل الأسير للجنسية “الإسرائيلية”، محاولين بذلك عبثاً الفصل بين شعبنا الفلسطيني من الأراضي المحتلة عام ٤٨ وباقي شرائح الشعب الفلسطيني.

بذلك يسرّ شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين نشر مواد الأسبوع الخامس للحملة التثقيفية عن أسرى ما قبل أوسلو. في هذا الأسبوع سنتناول الأسرى يحيى إغبارية، محمد جبارين، محمد فلنة، وضياء الآغا. بإمكانكم طباعة هذه المنشورات وتعليقها في مدنكم ومشاركتها على الإيميل samidoun@samidoun.net

يحيى إغبارية ومحمد جبارين

اعتقل الأسيران يحيى مصطفى محمد إغبارية ومحمد توفيق سليمان جبارين بتهمة تنفيذ عملية اقتحام وطعن لمعسكر “جلعاد” الإسرائيلي بتاريخ 14/2/1992 والتي أدت إلى تصفية ثلاثة من جنود الاحتلال واغتنام أسلحتهم وإصابة عدد آخر منهم. نفّذت هذه العملية خلية من أربع مقاومين، يحيى ومحمد بالإضافة إلى الأخوين إبراهيم ومحمد إغبارية. بعد انسحاب الفدائيين من العملية وأثناء تحضيرهم لعملية أخرى اكتشف الاحتلال موقع اختفائهم ونجح باعتقالهم في شهر مارس 1992. تعدّ عملية جلعاد أحد أبرز عمليات حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

الأسير يحيى إغبارية عمره اليوم 54 عاماً وهو من قرية المشيرفة في الداخل المحتل. توفيت والدته الحاجة رقية فياض إغبارية في العام 2014، وكانت تُعدّ العدة قبل وفاتها لاستقبال ابنها بعد أن ورد اسمه ضمن الدفعة الرّابعة من الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم في اتفاقية بين الاحتلال والسّلطة. هذه الدّفعة لم تتنشق ربيع الحرية بعد أن  نكث الاحتلال بالصفقة. وقد رفض الاحتلال السماح له بإلقاء نظرة الوداع على جثمان والدته.

أما الأسير محمد توفيق جبارين ذو الـ70 عاماً من مدينة أم الفحم، وقد بدأ أسره وهو بعمر الـ39. فهو متزوج ولديه أربعة أبناء وخمسة بنات وقد وافت المنية أحد أبنائه أثناء فترة اعتقاله بالإضافة إلى والده ووالدته. عندما تم اعتقاله كان عمر أصغر أبنائه ثلاثة أعوام. وهو الآن جدٌّ لـ27 حفيد وحفيدة. ويقبع في سجن “جلبوع”. وتدهورت صحته في منتصف عام 2015 وتم نقله بشكل عاجل إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية.

الأسيران هما من الأسرى القدامى الذي تم اعتقالهم قبل توقيع اتفاقية أوسلو. وعلى مدار السنوات الماضية، رفض الاحتلال الإفراج عنهما في كافة صفقات التبادل التي تمت مع قوى المقاومة والسلطة. وكذلك رفض الإفراج عنهما في أخر دفعة وهي الدفعة الرابعة في آذار عام 2014 والتي ضمت 30 أسيراً. من الـ30 أُفرج الاحتلال عن ثلاثة فقط. وأحد هذه الأسماء الثلاثين، فارس بارود من قطاع غزة، استشهد عام 2019 ويواصل الاحتلال احتجاز جثمانه حتى اليوم.

محمد فوزي سلامة فلنة

ولد الأسير محمد فوزي سلامة فلنة في قرية صفا قضاء مدينة رام الله بتاريخ 20 أيلول عام 1963 ويبلغ من العمر اليوم 60 عاماً. اعتقل محمد للمرة الأولى عام 1988 ومكث في السجن عاماً ونصف العام، ثم اعتقل في المرة الثانية عام 1992. تعرض لتحقيقٍ قاسٍ تحت التعذيب في حينها لنزع اعترافٍ منه بالقوة، وتم عزله انفرادياً لمدة عام كامل، قبل ان يصدر بحقه حكمٌ بالسجن المؤبد، بعد أن اتهمه الاحتلال بالمشاركة في تفجير حافله إسرائيلية بمشاركة الشهيد “عصام براهمة” والشهيد “يحيى عياش” أدت الى مقتل مستوطنة وإصابة 10 بجروح خطيرة.

تعرض الأسير فلنه خلال سنوات اعتقاله الطويلة للعديد من العقوبات من قبل الاحتلال بالعزل الانفرادي والحرمان من الزيارات، ولا زال حتى الآن ممنوعاً من زيارة أشقائه وشقيقاته وتقتصر الزيارات المسموحة له على زيارةٍ واحدةٍ في العام بحجة المنع الأمني.

توفي والد الأسير فلنة في عام 2010 ولم تسمح له سلطات الاحتلال بوداعه، وكان لم يره منذ آخر زيارة له قبل 5 سنوات من وفاته، وكذلك توفيت شقيقته “يسرى” 39 عاماً في عام 2009، بعد صراع مع المرض، وكان وقع الخبر عليه ثقيلاً جداً إذ أنه لم يرها منذ 15 عاماً بسبب منع الزيارة.

استعدت عائلة الأسير الفلسطيني محمد فوزي سلامة فلنة وعائلات أخرى وعموم أهالي بلدة صفا غرب مدينة رام الله بالضفة الغربية ووضعت الخطط لاستقبال أسيرها محرراً مع حلول نهاية مارس/آذار 2013 حسب الاتفاق المبرم مع الاحتلال الصهيوني، لكن التراجع الإسرائيلي شكل صدمة لذوي قدامى الأسرى.

وهذه ليست المرة الأولى التي تُعد فيها عائلة فلنة نفسها لاستقبال ابنها، فقد استعدت وانتظرت قوائم إفراجات عديدة تمت بعد توقيع اتفاق أوسلو، وصفقة التبادل بين حزب الله والاحتلال عام 2004 ومن ثم صفقة شاليط بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الثاني 2011، وأخيرا إفراجات الدفعات الأربعة خلال المفاوضات مع السلطة.

وعن تراجع الاحتلال عن إطلاق سراح محمد في الدفعة الأخيرة، قال شقيقه أحمد أن العائلة لم تثق يوماً بالاحتلال وكانت تتوقع التراجع عن إطلاق هذه الدفعة، ومع ذلك أخذت بالأسباب واستعدت وساعدها في ذلك أعيان البلدة وعائلاتها.

ويضيف أحمد، وهو مدرس وعضو بالمجلس المحلي للبلدة، أن الاستعدادات ذاتها كانت تتم في الدفعات السابقة التي تضمنت إحداها الإفراج عن اثنين من زملائه من نفس البلدة، دون أن يدرج فيها اسم محمد، مما ولد لديه حالةً من الإحباط، “لكننا جميعا لن نستسلم للابتزاز الإسرائيلي وسنواجهه بالأمل”.

كما أن حركة الجهاد الإسلامي نظمت فعالية تضامنية في قرية صفا مع عميد الأسرى محمد فلنة وفي كلمة الحركة قال الشيخ خضر عدنان خلال الزيارة “23 عاماً والعزيمة لا تلين وأمل الحرية لا زال يرسم الطريق، وإن إبراز تاريخ و نضال الاسير محمد هو هوية و ثقافة مهمة لكل أجيال وأشبال صفا وبلعين وبيت لقيا وكفر نعمة وكل المنطقة فالعملية البارزة التي نفذها أبطال سرايا الشهيد عصام براهمة والأسير المحرر المبعد لغزة عطا فلنة والأسير المرابط محمد فوزي فلنة لا تزال مثلا يحتذى بها”.

من جهته عرض الشيخ خضر ممثل حركة الجهاد الإسلامي شهادات ووثائق العمل الجهادي من كتاب “معالم السرايا” ودعى كل فعاليات صفا للاهتمام بنشر نضالات وإنجازات أبنائها العظام و التركيز على شريحة الشباب و الأشبال وتعريفهم بالتاريخ النّضالي لأسرى المقاومة.

وفي اللقاء قام الشيخ محمد علان بالدعاء للأسير فلنة، وتحدّث عددٌ من الأسرى المحررين عن مواقف بطولية للأسير فلنة داخل قلاع الأسر، و دوره القيادي في نشر ثقافة الوحدة والعمل الفلسطيني الجامع، وتعليم الأسرى الأشبال، و الاهتمام بترتيب أمور الأسرى الإدارية والداخلية.

ضياء زكريا الآغا

ولد الأسير ضياء زكريا شاكر الآغا في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة في التاسع عشر من شهر نيسان/ أبريل عام 1975 ويبلغ من العمر حالياً 47 عاماً. خلال الأسر انشغل ضياء بالمطالعة والدراسة وحصل على شهادة الثانوية العامة ودرجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى، ومن ثم بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جامعة القدس المفتوحة، ويحضّر حالياً لدراسة الماجستير في العلوم التاريخية من جامعة فلسطين. ومازال حتى الآن يواظب على القراءة والتّعلم ويتابع أخبار العالم.

تفخر عائلة الآغا بشجاعة ابنها ونشرت على فيسبوك قائلة: “في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، نفّذ صبي في الـ17 من عمره عملية في مجمع مستوطنات غوش قطيف، أثارت ذهول ضباط جيش الاحتلال وهيئة أركانه.. يطوي اليوم عامه  لـ31 على التوالي في زنازين الاحتلال بعد أن حُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، وأسفرت العملية الفدائية آنذاك عن مقتل ضابط في وحدة “سيرت متكال” وهي وحدة النخبة في جيش الاحتلال، ويُدعى “ميتسا بن حاييم” وهو أحد مستوطني “غوش قطيف”، إحدى المستوطنات التي كانت مقامة على أراضي قطاع غزة، قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005”.

خضع ضياء لتحقيق قاسٍ، ذاق خلاله صنوفاً شتى من التعذيب داخل أقبية التحقيق، ثم حكمت عليه محكمة عسكرية إسرائيلية بالسجن المؤبد مدى الحياة. ويبدو أن هذه العقوبة لم تكن كافية بالنسبة للاحتلال، فعزلت ضياء وحرمته من حقه بالزيارة، ولم تسمح لاحقاً إلا لوالدته بزيارته على فترات متباعدة. ومع مرور السنين، أصبحت والدته نجاة الآغا (المعروفة إعلامياً بأم ضياء رغم أنه ليس أكبر أبنائها) وجهاً مألوفاً في ساحات التضامن وفعاليات دعم وإسناد الأسرى، وتنقلت بين عواصم عربية وغربية برفقة “هيئة شؤون الأسرى والمحررين”، للتعريف بقضية الأسرى وفضح ما يتعرضون له من انتهاكات داخل السجون.

تقول أم ضياء أنّها زارته في “سجن نفحة” آخر مرة في أغسطس/آب عام 2021، بعد نحو 4 سنوات من الحرمان من دون أي مبرر سوى استمرار رغبة العدو بالانتقام منه، كما المئات من الأسرى الأبطال في السجون المحرومين من الزيارة. وقالت “لو أن هناك تاريخ محدد للخروج سأبدأ بالعد، أعد فقط كم أمضى وليس متى سيخرج، وهذا أكثر إيلاماً”. وأم ضياء، التي تجاوزت الـ70 من عمرها، هي الوحيدة المسموح لها بزيارة نجلها من بين أفراد الأسرة. تصف أم ضياء هذه الزيارات وتقول “زيارة السجون قطعة من جهنم، إنه يوم من العذاب على الحواجز والمتخم بإجراءات التفتيش المهينة، لكن كله بيهون لدى أمهات الأسرى اللواتي ينتظرن رؤية أبنائهن كل عدة شهور ولمدة لا تتجاوز الـ45 دقيقة”.

في العام 2005 توفي والد ضياء، وكان وقتها محمد، شقيق ضياء، أسيراً كذلك حيث قضى 12 عاماً، ولم تتح لهما فرصة إلقاء نظرة الوداع على والدهما. واليوم تقول الأم “لم يعد لي من أمنية في هذه الحياة، إلا رؤية ضياء واحتضانه، وأن أفرح بزواجه”.

ويقف ضياء، الذي دخل السجن صبيا يافعاً، على عتبة الـ50 من عمره، ويلقب بين زملائه بـ”أبو الأسرى”. وقال الأسير المحرر عابد عابد (59 عاما) والذي أفرج عنه في 26 من شهر آيلول/سبتمبر 2022 بعد 20 عاماً في الأسر، أن ضياء كان يتّسم بروح المرح مع رفاق السجن والصلابة مع السجان والثقافة العامة في حياته اليومية. “كان يقرأ أي كتاب يقع بين يديه ونجح في الحصول على شهادة جامعية ويتابع أخبار الوطن والعالم”. وأشار عابد، الذي يقطن مخيم جباليا، شمال غزة، إلى أن ضياء كان مصدراً لرفع الروح المعنوية للأسرى الجدد أو في وقت الإضرابات. “كان من أوائل الأسرى الذين يتصدرون الإضراب ويرفع الروح المعنوية لمن ينتابهم الإنهاك، ضياء شخصية قيادية إضافةً إلى مهارته في الطبخ داخل السجن”.

كان من المفترض أن يفرج الاحتلال عام 2014 عن ضياء، ضمن صفقة الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى إلا أن الاحتلال تنصل من ذلك.

بوستر الأسيرين يحيى إغبارية ومحمد جبارين بالعربية والألمانية

بوستر الأسير محمد فوزي فلنة بالعربية والألمانية

بوستر الأسير ضياء زكريا الآغا بالعربية والألمانية