كتب أيمن دويك
كان لي شرف المشاركة في اللقاء الحواري الذي نظمته ” شبكة صامدون” أمس الجمعة مع المناضل والكاتب التقدمي اليساري المصري، الدكتور/ عبد الخالق فاروق، والذي تحدث فيه عن واقع السجون والمعتقلين السياسيين في مصر وقضايا أخرى.
وجاء اللقاء ضمن سلسلة الفعاليات التي نظمتها الشبكة دعماً وإسناداً للحركة الاسيرة في سجون الاحتلال.
اللقاء كان في غاية الأهمية لأنه من المرات النادرة جداً وفي عهد هذا النظام وفي ظل إجراءاته القمعية غير المسبوقة في تاريخ مصر أن يخترق أحد هذا الجدار السميك من الإرهاب الفكري والسياسي والجسدي الذي يمارسه ضد افراد الشعب المصري وكتابه ومفكريه وشبابه.
أشكر الرفاق في الشبكة الذين بادروا بإعداد هذا اللقاء، وترتيب اللقاء مع أحد المناضلين المصريين الذين عايشوا مرارة الاعتقال السياسي في مصر والمنع من نشر انتاجاته الأدبية.
عبّر الدكتور فاروق عن الموقف العروبي الأصيل من اتفاقية أوسلو وعصابتها والتي كانت على حسب تعبيره سبب الدمار والخراب للقضية الفلسطينية.
واستعرض الكاتب في مداخلته كتابه الشهير ( هل مصر بلد فقير حقاً؟) والذي بسببه تم اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية المصرية، حيث فند الكاتب في هذا الكتاب الهام مزاعم الرئيس عبد الفتاح السيسي ” بأن مصر بلد فقير”، مشيراً في الكتاب أن مصر من حيث الإمكانيات لها قدرتها الاقتصادية الضخمة جداً، إلا أن هناك سوء في الإدارة، وضعف في الكفاءة الاقتصادية، وتّشكُّل جماعات مافيا من الفاسدين في كل القطاعات لنهب البلد.
وحول حرية النشر والحريات الآن، لفت إلى أن هناك كارثة في هذه القضية لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر، بدءاً من مرحلة السادات، ومروراً بمبارك.
وحول ما يُسمى بالربيع العربي، أوضح الدكتور فاروق أنها كانت في البداية تحركات عفوية تلقائية لم يكن ورائها قوى سياسية منظمة شكلت جبهة ثورية للتغيير، وكانت هذه العفوية نتاج تراكم لحالات من الغضب للشعوب العربية، تَولّدها إحساس بالقهر والمهانة، وترتب عن ذلك ظرف موضوعي ناضج للثورة.
وأشار إلى ثلاثة شروط تتحقق بها أهداف الثورة، الشرط الأول، موضوعي وهو تًوّلد حالة من الغضب يصل لدرجة توَلّد وعي وعدم القدرة على التعايش مع النظام، والشرط الثاني، نضج الظرف الذاتي من خلال الشعوب الثورية والقوى المنظمة والممثل عنها في صورة ” جبهة ثورية أو حزب ثوري”، والشرط الثالث، هو وجود برنامج يجرى صياغته من الشعوب، يهدف لمناهضة الفساد وإعادة بناء الدولة بالتوافق الوطني.
وحول فشل تجربة الربيع العربي، أشار إلى أن الخلل والنقص كان في عامل النضج الذاتي لعدم وجود الأحزاب الثورية أو الجبهة الثورية من أجل تنظيم الجماهير، بالإضافة إلى ركوب بعض الحركات خاصة الحركات الدينية الموجة.
وحول فرص التغيير القادم، لا يظن الكاتب أن هناك قوى ثورية جاهزة وتقوم بمهمة قيادة ثورة جديدة، وأنه إذا انتظرنا هذه الأحزاب سننتظر طويلاً، مشيراً أن أجهزة الأمن نجحت في اختراقها أو تجنيد عدد كبير من قيادات هذه الأحزاب، أو تفتيتها من الداخل.
وحول ارهاصات توالد ثورة جديدة، أجاب ” عندما تكون حالة الغضب فوق مستوى الغليان، فهي عليها الأمل في إحداث أي تغيير قادم”، فلا يوجد أية سلطة تتحمل غضب شعب، فقوة هذه السلطة القمعية لها حدود في الاستخدام وهذا هو الأمل الوحيد.
وأضاف الدكتور في مداخلته، إلى أنه جرى نسخ نماذج من دونالد ترامب في المنطقة العربية، تعتمد نفس الأسلوب والطريقة في تحميل المسئوليات للغير.
وحول الجهاز القضائي المصري، أشار إلى أنه كان دائماً يقف إلى جانب الحريات العامة، ولكنه الآن يتعرض لضغوط شديدة من السلطة التنفيذية، وقد جرى استغلال الحرب ضد الإرهاب للضغط أكثر عليه، فتحّول هذا الجهاز إلى أمر غير مريح ولا يطمئن.
في سياق اللقاء والنقاش، قّدمّ الرفيق “حكيم” أحد اليساريين المصريين موقفاً متشائماً، بأن قوى اليسار المصري غير موجودة، إما تعمل مع أمن الدولة، ومجموعات أخرى شديدة النخبوية ولا تُعبّر إلا عن ذاتها، وأنها تجسد النموذج اليساري الحلقي معدوم الاتصال مع الناس، وذات العلاقة الفكرية لطبقة فقط.
وأضاف ” حكيم” بأن الشعور الجمعي والوطني تجاه القضية الفلسطينية يشهد حالة تباين، في ظل أن الاعلام على سبيل المثال لعب دورا سلبياً في كي الوعي، وادى إلى حالة عدم اهتمام بالسياسة بمصر، وتشكل وعي زائف، لافتاً أن المواطن المصري البسيط أغلبه ضد الكيان الصهيوني ومع المقاومة المسلحة، وأن مواجهة التطبيع كانت فاعلة ومنظمة لعب فيها الكتاب والمثقفين دوراً في إفشالها بالسابق.
وخَلُص ” حكيم” بأننا بحاجة لإعادة تشكيل الحركة الوطنية المصرية، بمعنى آخر ( ثورة وطنية بأفق اشتراكي).
في معرض إجابة الدكتور فاروق على الرفيق ” حكيم”، اكد أن هناك قوى وطنية لكنها صغيرة، وتتعرض للحصار وحالة قهر غير مسبوق، وأن مسألة الوعي جرى ” الشغل ” عليها لتحل محلها ثقافة السلام والتسامح، وجرى ” شغل” ضخم على تشويه الوعي المصري ليس بالموقف من القضية الفلسطينية بل في كل القضايا خصوصاً من قبل الإعلام، وفي ظل وجود تحالف إقليمي واضح جداَ في كل ذلك.
وواصل متفائلاً ” تظل هذه الإشكالية قشرة فوق السطح، وبمجرد أن الشباب المصري يأخذ مساحة من الحرية، فالوعي ينضج ويتحول لطاقة، فنعيد اكتشاف المعدن الحقيقي والوعي الحقيقي للشعب المصري في جوهره، رغم كل محاولات الاحتواء والتعايش التي لبت دور بشع في تشويه التاريخ الوطني.
وأعرب الدكتور فاروق عن ثقته الكبيرة بأن المستقبل سيحمل تغيير وشئ إيجابي، وإلا فالحياة ليس لها معنى، لذلك ” عندنا أمل أن يجري التغيير بالصورة التي نتمناها” على حد وصفه.
وحول الأعمال القادمة للدكتور فاروق، أفاد بأنه انتهى من كتاب هام يحتوي على 2000 صفحة بعنوان ( كيف نهبت مصر من 1974-2019)، والتي يستعرض فيه بالوثائق والمراجع والأرقام، كيف تحولت بوصلة مصر في هذه الفترة الزمنية بهذا الشكل، داعياً بسبب ملاحقته ومنعه من النشر وفرض قيود على ما ينُشر من قبل السلطات المصرية، إلى تبني أحد دور النشر في خارج مصر مسئولية إصدار الكتاب وتوزيعه نظراً لأهميته البالغة.