في عتمةِ اللّيل، صوتُ عواءٍ بعيد، صوتُ صراصير، تفوح رائحة العشب المبلّل بالنّدى لتمتزج برائحة الطّلاء. تنيرُ أضواءُ الدّورية كلّ شيءٍ باللّون البُرتقالي. وسعيد قد انتهى من توزيعِ زجاجاتِ الطّلاء علينا. كلٌّ منّا أخذَ موقعه، يجلسُ سعيد بجانبي بتحفّز كما لو أنه سينقضُّ على شيءٍ ما. تقتربُ الدّوريّة الأولى، تسير بسرعة. ربّما لم يتوقع السّائق أن يتم ضَرب دوريّته من خلفِ تلّةٍ ترابيّة كالّتي نقفُ خلفَها والّتي خلّفتها أعمالُ الحفر قريباً من المَكان. في كلّ مرّة نغيّر المكان الذي نضرِب منه لنتفادى كمائن الجنود. يعلو صوتُ المحرّكات، تصبح الدوريّة أمامنا، عدّة زجاجاتٍ انطلقت معاً، فتوالت باقي الزّجاجات لتصيبَ أهدافها. فالمسافة كانت تَمنع أن تخطئ أي واحدة هدفها. قطراتُ الطّلاء كانت ترتدّ علينا. أصيبَ الزّجاج الأماميّ أمام عينيّ السائق فتخبّط يمنةً ويسرة، داس على الفرامِل لكنّ سرعةَ الدوريّة أدّت بها إلى الانزلاق في الحفريّة بجانبِ الشّارع، عُمق تلك الحفريّة قرابة المترين. انقلبت الدوريّة على جانبها، سمعنا صراخَ الجُنود، تقافزوا من داخل الدوريّات. لعلع الرّصاص بكثافةٍ فتسلّلنا عبر الحقول بسرعةٍ لنحاولَ أن نضرِب من مكانٍ آخر.
اعتلى الجُنودُ أسطحَ المنازل وصاروا يُطلقونَ النّار على كلّ ما يتحرّك في انتظار أن يُخرجوا تلكَ الدوريّةَ من حُفرتها. كنتُ قد تعبتُ من جولاتِ الكرّ والفرّ، فعُدت إلى المَنزل. أمامَ البابِ كان يَجلسُ عمّي وأسرَتُه وأمّي وأُختي ، كما هو حالُ معظمِ البيوتِ الّتي أفزَعَ صوتُ الرّصاصِ سُكّانها. فكّرت بالموشّحِ الّذي سأسمَعُهُ من عمّي وأُمّي، فتواريتُ خلفَ سيّارةَ عمّي، لمحتني زينة، أشارت لي بحركةٍ كَي أختَفي، وما كانَت إشارتُها سريعةً كفاية كي لا يتنبّه عمّي لها. لاحَظَ وجودي، ناداني، ثم رَمَقَ شقيقتي بنظرةٍ مخيفةٍ وبدَأَ يوبّخها على كَذِبها حين ادّعت أنّني لا أزالُ نائِماً. سرتُ إليهِ بخطواتٍ سريعةٍ علّي أُخفّف من إحراجِ زينة فيتحوّل عمّي من توبيخِها إليّ، فلعلّي أُسرّع بنهايةِ موشّحاتهِ المَعهودة. “إلى مَتى سَتبقى عديمَ المسؤوليّة؟ ومَن غَيرُكَ لأمّك وأُختِك؟ لماذا يجب أن تدمّر نَفسَك؟ لماذا دخلتَ الجامعةَ إذا كنتَ تبحثُ عن الدّمار؟ هذهِ أعمالُ من ليسَ لهُ عمل. إنّك لن تتعلّم ولن تُصبحَ رجُلاً ولن تلتَفِتَ لمصلَحتِكَ يوماً!”. فكّرتُ بالكذِبِ عليه، لكنّ ملابِسي السّوداءَ المنقّطةَ بالطّلاءِ الأبيضِ حالت دون ذلك. فكلّ شيءٍ بدا واضِحاً. لقد اعتدت على هذه الموشّحاتِ مع أنّ فيها ما يحرقني ويستفزّني، لكنّ عمّي يفهمُ الأمورَ هكذا. سأقدّر الحرصَ الّذي يُبديه وأبتلِعُ قسوتَهُ الأبويّة الّتي يَبتًغي منها مصلحتي، سأُسايُرهُ مع أنّ المصلَحَةَ الشّخصيّة أصبَحَت آخرَ الأشياءَ الّتي بتّ أُفكّر فيها.
فتحت زينة بابَ الغرفة وأتت تحمِل في يَدِها فِنجانَ قهوةٍ كانَت قد أعدّتهُ لي قَبل أن يَقتَحِمَ الجيشُ القرية. طلبتُ مِنها ألّا تغضَبَ مِن عمّي وأنّه في مكانَةِ والدي، فهيَ أَيضاً كانَت تُشارِكُني ذاتَ الشّعورِ وتَنظُرُ إلَيه ذاتَ النّظرة، فهوَ لَم يُشعِرنا بذلك منذ رَحَلَ والِدي.
***
ألقَينا في وَضَحِ النّهارِ زجاجات حارقة على دوريّةٍ للجيش، طارَدَنا الجُنود. دَخَلنا في ورشَةِ بناء وتَبِعَنا الجُنود، وَجَدنا الممرّ الّذي نَنفُذُ مِنهُ إلى الجِهةِ الأُخرى مُغلقاً. حوصِرنا، بَحَثنا عَن مَنفذ ولَم نجِد. يَنتَصِبُ أمامنا سورٌ عالٍ. طَلَبتُ مِن سَعيد أن يأتي. أَنحَني أمامهُ ويَصعد على كَتِفيّ وقَفَزَ فوقَ الحافّة. يَعلو صَوتُ جِهاز اللاسِلكي مع الجنود، يقتربون منا أكثر. يمد سعيد يده، أقفز قليلاً، أمسك يده الأخرى، يسحبني قليلاً، أصل الحافة، أمسك بها، أصل فوقها، وننطلق ركضاً مُخلّفين وراءنا الجنود.
وَصلنا يومَها ورشةَ بناءٍ أُخرى، شرِبنا الماءَ مِن برميلٍ فيها، وارتَمَينا على كَومةِ رملٍ لَم تَصِلها الشّمسُ فظلّت باردةً التَقَطنا أنفاسنا عليها. ناولني سعيد سيجارةً من علبتهِ، أشعَلتُها وأشعَلتُ لهُ سيجارَتَهُ، فكّرتُ يومَها بالتّغيّرات الّتي طرَأَت على علاقتي بسعيدٍ فبادَرتُهُ بالحَديث: “أتذكرُ كنّا ألدّ الأعداءِ أيّامَ المَدرسة والآنَ نَذهبُ إلى المَوتِ كَتِفاً على كَتِف“. أطلقَ تنهيدةً وقال: “أيّام. أتذكُرُ حينَ طَعَنتني بالقَلَم؟”. ورفعَ قميصهُ وأراني مكانها. ورحنا نستذكرُ معاً أيّام الشّجارات بتَفَاصيلها وأشخاصِها، والضّربات الّتي تلقّيتها منه والتي تلقّاها منّي، ومرّت لحظاتُ صمتٍ، عُدنا بَعدها لنغوصَ في خَبايا الذّاكِرة. لم يَكن سَعيد قَد أكمَلَ الثّانويّةَ العامّة، لكنّه قارئٌ نهم. مُثقّفٌ مِن عائلةٍ مُثقّفة. تَناولَ بيدِهِ حفنةً من الرّملِ الرّطِب وراحَ يسرّبُها مِن قبضةِ يَدِه كما السّاعةُ الرّملية وراحَ يَتَحدّث “أتعرِف؟ شِجاراتُنا التّافهة أيّامَ المدرَسةِ وشِجاراتُنا اليوم مُتشابِهةٌ جدّاً، أقصِدُ في أهدافِها، على السّيطرة، على المال، الهدفُ من ورائِها كلّها هُوِ المجدُ الشّخصي، المَصلَحة الشّخصيّة، المُعظَمُ يَبحثُ عن ذاتِ الشّيء. فحينَ يبحثُ المرءُ عنِ المَجد الشّخصيّ، سيجدُ أمامَهُ ألدّ الأعداء الّذينَ يبحثونَ عن ذات المجد“. صَمتَ قليلاً حينَ اعتَقدَ أنّني سأُعقَب، لكنّني لَم أكُن أريد. كنتُ أريدُه أن يستَفيضَ أكثَر. قلتُ: “نَعم، لا يجبُ أنّ يفكّر المرءُ بذاتِه. عُذراً، إنّ التّفكيرَ بالذّاتِ يجِب أن يكونَ لهدفٍ واحد: أَن تعرفَ مواطِنَ الضّعف والقوّة في ذاتِك. أن تُدرِكَ قيمةَ وجودِك و القوّةَ الكامِنَةَ فيكَ لتغيّر، أمّا حُبّ الذّات فهو من الأشياءِ الكَثيرةِ الّتي تعزّزت بالوعي المُشوّهِ لَدَينا، قُل إنّها عادةٌ سيئةٌ علينا أن نَتَخلّصَ منها، نَتَخلّصُ مِنها بالوعي والعَمَلِ الدّؤوبِ وبالنّضالِ لمصلَحَةِ المجموع. نتخلّصُ مِنها شيئاً فشيئاً فتُصبِحُ عدوّنا الأساسيّ كما القَهرُ والظّلمُ والاضطهاد”. طيلةَ طريقِ العودة وأنا أفكّرُ بمنسوبِ الوعيِ لديه، هذا الّذي يُعدّ غَيرَ مُتعلّم، وأُفكّرُ بالمَجدِ الّذي يبتغيهِ عَمّي لي من خلالِ شهادةٍ جامعيّةٍ تُتيحُ لي بعدَ سنواتٍ أن أَتَوظّفَ في مؤسّسةٍ حُكوميّةٍ ما. حين أوشَكنا على الافتِراق، وقَد طالَت لحظاتُ الصّمت، لا أعرف ما الّذي دعاني لِشُكره، رُبّما كي أكسِرَ الصّمت: “سعيد، أشكُركَ على انتِشالي حينَ تحاصَرنا“. “أنتَ انحنَيْتَ لأصعَدَ أنا على كَتِفِك، لأنّ الواجبَ أملى علَيْكَ ذلك، وأنا انتَشَلتُكَ لأنّ واجِبي يُملي عليّ ذلك”. صمتَ قليلاً، انحنى على الأَرض، ثُمّ تَنَاولَ سِلكاً صَغيراً لا أدري لماذا وأَخَذَ يَثنيه وقال برصانَة “حينَ يقومُ المرءُ بعملٍ ما لأنّ واجِبَه يُملي عليه ذلك، مِن العارِ أَن يَنْتَظِرَ كَلِمة شكرٍ. ربّما تُشكَر، لكن يجب ألّا تَنتَظِره.”
***
كَبِرنا وكَبرت فينا فِكرة النّضال، والمُقاوَمَةُ تَأصّلَت فينا، أَصبَحَ إلقاءُ الحِجارَةِ والزّجاجات الحارِقة روتيناً عاديّاً. كانَ بِمثابَة فشّةِ غُل. يَنضَمّ إلينا كُلّ يومٍ عددٌ مِن الشّبّان. لَم تَعُد إضاءة الزّجاجات الحارِقةِ تَفتِننا حينَ تَصطَدِمُ بالدّوريّات، لكنّها تشفي قَليلاً مِن الحِقدِ المُتراكِم فينا. تُشعِرُنا بالعَجزِ وتُذكّرنا بأنّنا نستَطيعُ أكثَر، وتُذكّر الاحتلالَ بأنّه احتلال، ولَيس ضَيفاً ليليّاً حلّ على القَرية. صِرنا نَبحثُ عَن شيءٍ أَعظَم، عَن عَمَلٍ يُوازي الحِقدَ المُتراكِمَ ممّا تُخلّفُهُ صُوَرُ أشلاء الأطفالِ فينا. نَتَساءلُ كُلّ يومٍ ماذا يَكون تَأثيرُ الحَجَرِ عَلى دَوريّةٍ مُصَفّحةٍ مُقابِلَ طَنّ مِنَ المُتَفَجّراتِ تُسقَطُهُ طائرةٌ على طِفْلةٍ في الرّابِعَةِ مِن عُمرها؟ ماذا تَنفعُ وقفةٌ تضامُنِيّةٌ مَع غَزّة في حَرَمِ الجامِعة وتَنتَهي في الكافتيريا أَمَامَ صرخاتِ أُمٍ تُحاوِلُ أن تُنقِذَ أطفالَها الّذينَ تَبَعثَرَت أشْلاؤهُم على الطّرُق؟ أُفكّرُ بِحلٍّ نُواجِهُ بِهِ جَرائِمَ الاحتِلالِ الّتي تَزدادُ يَوماً بَعدَ يَوم. عَمَلٌ يُوازي الحِقدَ المُتراكِمَ كالجِبالِ فَوقَ صُدورِنا. هذا العَمَل يحتاجُ لسلاح، نَعَم لسلاح. هذا الحُلمُ الطّفوليّ الّذي كبرتُ وكَبُرَ مَعي، مُنذُ قَرَأتُ مجموعةً قصصيّةً لغسّان كَنفاني عَن الرّجالِ والبَنادِق عَرَفتُ مَعنى البُندقيّة، رأيتُ كثيراً مِن البَنَادِقِ الحديثة، لكنّ قَلبي ظلّ مولعاً بالبَنادِقَ القَديمة الّتي كانَت في إحدى قِصصِ غسّان. العَروسُ الّتي سَلَبت عَقلَ صاحِبِها حينَ أَخَذوها مِنه، فَظَلّ طوال عُمرِهِ يَبحثُ عَن عَروسِه. فَكُنتُ أَحلُمُ بِتلكَ العَروس، لكنّ تِلك البنادق تكادُ أن تكونَ غَيرَ مَوجودة، فلا بَأسَ بالحُصولِ على بُندقيّةٍ أو أيّ بندقية. فكّرنا مليّاً، كلّ وقتنا نُخطّط للحُصُولِ على سِلاح. كُلّ الخُطط كانَت واردة، أن نسرِق، أن نشتَري… المُهم أن نَحصُلَ على سِلاح. بدأنا بِجَمعِ المال. حَرمنا أنفُسَنا من كلّ شيءٍ لا يُعدّ أساسيّاً في الحياة، أي في حياةِ الثّائرِ الّذي أطمَحُ أن أكونَه. حتّى أقساطي الجامعيّة اقتَطَعتُ أكثَرَ مِن نِصفها. هاتِفي بِعتُهُ واقتنيتُ هاتِفاً قِديماً، سعيد كانَ كذلكَ الأمر، قدّمَ راتِبهُ، غيّر نوعَ سجائِرِهِ، والكثيرَ مِن الأشياءِ الّتي صارَت بالنّسبة لَنا ترفاً، ورُغمَ ذلك استدنّا الكَثيرَ مِن المَبالِغِ من أصدقائنا. أصبَحَ المبلَغُ بَينَ أيدينا وبقِيَ أمامَنا مصدرُ السّلاح. تبادَلنا الأفكارَ حول المَصادِرِ الّتي من المُمكِنِ أن نَشتَري مِنها، أخبَرَني سعيد عن مصدرٍ موثوق سيُقابِلُهُ ليَشتَري مِنهُ بُندقيّةَ كلاشينكوف. وبقيتُ أنتَظِرُ ذلك بفارِغِ الصّبر. نِمتُ يَومَهَا ورأيتُ مناماتٍ مليئةً بالبَنادِق. وكانَت مَعي في الحُلمِ بُندُقيّة أم ون (M1) وكُنتُ أنظُرُ مِن مِنظارِها.
حين استيقَظت، أخبَرَتني زينة عَن اعتِقالِ سعيد وشُبّانَ آخرين. اغتَسلتُ وذَهبتُ إلى بيتِ سعيد كما تَجري العادَةُ حينَ يُعتَقلُ أحد. خرَجَت زينة لِمُساعَدَةِ إحدى صديقاتِها في ترتيبِ المَنزِل بعدَ اعتِقالِ شَقيقِها والدّمار الّذي خَلّفَهُ الجُنود. امتَلأَ بيتُ سعيد بالضّيوفِ والأَقَارِب. علمتُ بضياعِ المال الّذي ادّخرناه. عرفتُ حَيثيّات الاعتِقال. بعدَ وقتٍ قصير فَتَحت عَمّة سعيد الباب وأخَذَت تُوزّعُ الشّاي مِن صينيّةٍ تَحمِلُها. انتظرتُ الشّايَ بِلهفة، فقد كُنتُ وما زِلتُ مُغرَمَاً بِطعمِه، وصلَت الصينيّة عندي، نَظرتُ للكأسِ الّتي سأتناولها، مَددت يَدي، سَحَبت الصّينيّة مِن أمامي. حدّقتُ بِعمّة سعيد، كانَت نَظَراتُها مُلتهبةً وجاحظة بشكلٍ لَم أَكَن أتخيّل مَعه أنّ حَجمَ عينَيها وَصَلَ إلى هذا الحد، وَضَعَت الصّينيّة جانِباً، وَضَعت يَدَها على خَصرها وبالأُخرى أشارَت عليّ وقالَت: “هذا هُوَ السّبب وراءَ اعتقالِ سعيد” وانهالَت عليّ وعلى عائِلتي بِسيْلٍ من الشّتائم. بَحَثتُ في أَعيُن الحاضرينَ عَن كَلِمةٍ ما فَلَم أجِدها، أمسَكَت بِقَميصي وصَرَخَت: “ألا تخجَل مِن نَفسِك؟ انصَرِف من هنا!” هَربتُ مِن لَعناتِها، وصلتُ للشّارع وصوتُها يَتبَعُني: “ألن نَنتَهي من بلاويكُم؟” انسابَت الدّموعُ الّتي لَم أكُن أعرِفُ إن كانَت على سعيدٍ أم على المالِ والبندقيّة أم على الهُجومِ الشّرسِ الّذي ما توقّعتُهُ وما عرفتُ سَبَبه. المُهمّ أنّي بكيت، بكيتُ مثلَ طفلٍ وغيّرتُ طَريقي الّتي تؤدّي بي إلى البَيت إلى الحُقولِ المُجاوِرة. ثُمّ أخذتُ أبْتعدُ شَيئاً فشَيئاً حتّى ساعاتِ المَساءِ عُدتُ بَعدَ أن غَلَبني الجوع، فمُنذُ ساعاتِ الصّباح الباكِرِ لَم أتذوّق أيّ شيء. فَقَد قَضَيتُ وَقتي جالِساً تَحتَ شجرةِ خَرّوبٍ ضَخمةٍ بكيتُ على جِذعِها بِحرقةٍ كَما بَكيتُ سابِقاً على أشياءٍ ضاعَت مِنّي. وَجدت عَمّي وأبناءَهُ جالِسينَ أمامَ البَيت، جَلَستُ مَعَهم وكأنّ شَيئاً لم يَكُن. تَظاهرتُ أنّني طَبيعيّ، ورُحتُ أستَمعُ لِقصّةٍ مِن قِصَصِ عَمّي عَن اقتحامِه لوكرٍ مِن تُجّارِ المُخدّرات، ورُغمَ حالَتي والشرود الّذي يتلبّسني مُنذُ الصّباحِ إلّا أنّ طَريقَةَ عَمّي في السّردِ شَدّتني عِدّةَ مرّات، لاحَظَ جَميعُ مَن في البيتِ شُرودي وحُزني. وكان أكثرُ مَن لاحظ زينة، الأقرَبُ إليّ. راحَت تُلحّ عَليّ لأبوحَ لها، لكنّني لَم أبُح، فالشّتائِمُ الّتي انهالَت عليّ وعلى العائِلةِ وطالت الحيّ فيها والمَيّت سَتؤدّي لِكارثة. فعزَمتُ على ألّا أبوحَ لأحد. مع الأيّام، صارَ جميعُ أفراد العائلةِ يلحّونَ عليّ، تَعبتُ مِن ذلك فصرتُ أذهبُ للجبالِ حتّى أتلافى كلّ تلكَ الأسئلة.
***
حلّ الرّبيع، اكتَسَت الجبالُ باللونِ الأَخضَر، في كلّ يومٍ أذهَبُ لِمَنطِقة. إلا أنّ تلكَ الشّجرةَ وإطلالَتَها ظلّت المُحبّبةَ لديّ. ذهبتُ إلى مَنطِقةٍ تُغطّيها أشجارُ اللّوزِ والصّبرِ ورُحتُ أتَذَوّقُ أشجارَ اللوزِ بأطعامِها المُختَلِفة حتّى المُرّ منها. كنتُ قَد نسيتُ المرارَ الّذي خَلّفتهُ فيّ عَمّةُ سعيد. بالصّدفة فقَد رأيتُ حُسام، عَمّ سعيد، في الحَقلِ المُجاوِر، تَذكّرتُ رأساً سعيد. فقَد كانَ عمّهُ ضِمنَ الأسماءِ الّتي طَرَحَها لِنَشتَري مِنهُ سِلاحاً. لكنّهُ حينها استَصعَبَ إمكانيّة حدوث ذلك لأنّه يَخافُ عليهِ ولا يَثِقُ بِه. تَملّكني الفُضولُ واختبأتُ خَلفَ سَربٍ مِن أشجارِ الصّبرِ ورُحتُ أُراقِبُه. ملابِسُهُ مُلطّخةٌ بالوَحلِ، وفي يَدِهِ باقةُ أزهارٍ برّيةٍ ثُمّ بعدَ وَقتٍ قَصيرٍ ذَهبَ نَحوَ القَرية.
تَكرّرت عَمليّاتُ المُراقَبَةِ لَعلّي أعرِفُ إن كانَ يُخبّئ سِلاحاً فأسرِقُه. وأُفكّرُ هَل سَيفقدُ عَقلهُ مِثلَ بَطَلِ قِصّة غسان؟ أقتَرِبُ مِنهُ أكثر. فمُنذُ بَدَأتُ بِمُراقَبتِهِ لَم تَنقَطِع دَندناتُهُ يَوماً، دائماً يُغنّي ألحاناً لَم أعرِفها قَط. لَم تكُن المسافَةُ تُتيحُ لي أن أفهَمَ الكلِمات. بصبرِ صيّادٍ رُحتُ أُراقِبَهُ أسابيعَ عَديدةٍ ولَم أتَمَكّن مِن مَعرِفَةِ مكان السّلاح، ففي أحيانٍ يَأتي وَحيداً وفي أحيانٍ أُخرى يَأتي مَعهُ أطفالٌ ليَقطِفَ لَهُم اللوفَ والميرَمِيّة والحَليّونَ والزّعتر، ويقطِفَ لهُم أزهاراً بَرّية. رُبّما يُعلمهم أسماءَ النّباتاتِ البَريّةِ يُداعِبُهُم ويُغنّي لَهم.
ذاتَ يومٍ في ساعاتِ العَصرِ تَوارى عَن نَظَري خلفَ شُجيراتِ صبرٍ، اقترَبتُ أكثَر، فسَمِعتُ صَوتَ حِجارَةٍ تَتَدحرَج، لَم تَعُد دَندناتُهُ تَدُلّني عَلى مكانِه. بَحثتُ أكثَر، ظنَنتُهُ ابتَعَد. اقتربتُ عِدّةَ خَطوات، وجَدتُهُ أمامي وَجهاً لِوجه، فسألني: “لماذا تُراقِبُني؟” يسمَعُ صوتَ الأطفالِ فيُعدُلُ عن فِكرَةٍ ما اعتَمَلَت في رأسِه، ودونَ أن أُجيبَ بِحرفٍ قال: “إن كرّرتَ مراقَبَتي سَأقتُلُك“.
حينَ عُدت للبَيتِ جاءَت زينة وعادَت تَسألُني بإلحاحٍ مُجدّداً. رَجوتُها ألّا تُلِحّ عَلَي، لكنّها لَم تكُف عَن إلحاحِها، ففي كِلتا الحالَتَيْنِ مُصيبة، إمّا ستَعتَقِدُ أنّي عَميلٌ وإمّا سَتعرِفُ أنّي أبحَثُ عَن بُندُقيّةٍ لأقومَ بعَمَلٍ ما.
آه ما أصعَبَ الأمورَ الّتي يُظلَمُ فيها المَرءُ ولا يَستَطيعُ تبريرَها لأحَد. مع الوقتِ انتَشَرَ ما حدَثَ بِطَريقَةٍ ما تَعاظَمَت سطوتُهُ، تحاشى الكَثيرُ مِنَ الأصدِقاءِ اللقاءَ بي أو الجُلوسَ مَعي. أكثرُ الأصدِقاءِ تَطَرّفاً في السّياسَة يَتَصنّعُ ويُبدي تَحفّظاً إن فُرِضَ عَليهِ أَن يَتَكلّم بوُجودي بِطَريقَةٍ ما. هكذا كانَ الأمر. أصبَحَ مِن السّهلِ عَلَيّ أن أعرِفَ عَدَم رغبَتِهِم بِلقائي أو بالحَديثِ مَعي. شعرتُ بالجَرحِ دُونَ أن يبوحَ بأسبابِه، بل بحُجَجِه الّتي يُغلّفها بألفِ غلافٍ وغلاف لتبدو كشَيءٍ حضاريّ وإنسانيّ. ومِن وقتِها أدرَكتُ أنّه مِن المُخجِلِ أن أكونَ عِبئاً على أَحَد. فقَدتهُم واحداً تِلوَ الآخر، فقدتُ مُحيطي الاجتِماعيّ، تَعزّزت عُزلَتي، فمُعظَم وَقتي أقضيهِ في الجِبال. وحتّى عُزلَتي أكّدَت شُكوكَهُم. أحببتُ القَريةَ بِجِبالها وصُخورِها، تَعمّقَ حُبّي لها. صِرتُ أروي للشجَرِ والحَجَر، احتوَت الجبالُ كلّ هُمومي، وحينَ أرى عُشبَةً شَقّت الصّخر ونبتت أُدرِكُ قُوّتي. أبكي عِندَ جِذعِ الشّجَرة، شَجرةِ الخرّوب. وفي ساعاتِ الغُروبِ تُحلّقُ طُيورُ الشّحرور، أو السِوّدي بالمُسمّى الشّعبي يتألّقُ في غِنائه وفي تَغريداتِه. تلكَ الطّيورُ الرّائعة، حينَ أراها بِسَوادِها القاتِم وأسمَعُ لَحنَها أُدرِكُ أنّ هُناكَ لحناً جَميلاً سيخرُجُ مِن سَوادِ أيّامي وحلكتها. التَفتُّ للطّبيعةِ وجَمالَها وعُدت للأرضِ الّتي لَم نَعُد نَعتَني بزيتونِها. عَمّي أصبَحَ يُدرِكُ التّغيّراتِ الّتي أَخَذَت تَعصِفُ بي مُنذُ فَترة. فمُعظَمُ الوقتِ يِحاولُ أن يَستنطِقَني ليعرِفَ ما حلّ بي، يجلِسُ مَعي طويلاً، يَصطَحِبُني في المَشاويرِ الّتي لَم تَعُد تَستَهويني. فحيناً يَظنّ أنّني مُغرَمٌ بفتاةٍ أو زَميلةٍ جامِعِيّةٍ، أو أنّني مُتورّطٌ بِشيءٍ ما، بِمُصيبة، لكنّني أبقى مُنغَلِقاً على نَفسي، أُفكّرُ بِكلِماتِه، بِخبرَتِهِ في الحياة، فأقول: “أي صوت أبوي فيك يا عمّي، أيّ حِرصٍ تُبديه. مُنذُ فقدت أبي لَم تُشعِرني بِغيابِه، كُنتَ الأب الّذي يُريدُ لإبنِهِ أن يَكونَ أفضَلَ النّاس. تَقسو أحياناً، تَغضَب، لكنّك تعودُ الأبَ الحنون، فتحكي لي قِصصاً عَن كلّ موضوعٍ تَعتَقِدُ أنّه يُؤرقني. عن الحبّ تَروي قِصصاً حينَ تَظُنّ أنّني عاشِق، عن الابتزازِ تَحكي قِصصاً، عَن المُخدّرات عَن الإسقاط حينَ تَشعُرُ أنّي متورّطٌ في مُصيبة. آه كَم أرى فيكَ أبي.”
لا أدري إن كانَ اندِماجي في الطّبيعةِ يُسمّى العُزلة. مضت الأيّامُ وفي كلّ يومٍ أندَمِجُ فيها أكثَرَ فأكثَر. كُنتُ جالِساً تَحتَ الشّجرةِ، وجدت أمامي فَجأةً سعيد. مِن المُؤكّد أنّ وُجودَهُ لَيسَ صُدفة. لم أكُن فِعلاً عَرفتُ بِتحرّره، تَعانَقنا، كَم كُنتُ أفتَقِدُ مِثلَ هذا العِناق، حاولتُ أن أُبرّر لَه عَدَم تَهنِئتي لهُ بالإفراجِ بمُبَرّراتٍ كتلكَ الّتي يُقدّمها مَن لا يُريدونَ اللقاء بي. لكنّهُ ضَحِكَ وسألني ساخراً: “ألهذه الدّرجة تَخافُ مِن عَمّتي؟” علِمتُ أنّه عَرِفَ تَفاصيلَ القِصّة كلها. رُحتُ أَحكي لَه عَن مُعاناتي وعمّا حلّ بي. اعتَذَرَ لي ووعَدَني بأن تُحلّ وأنّنا سَنتدبّرُ أُمورنا. آه كَم افتقدت تِلكَ الثّقةَ وكَم افتقدت شَخصاً أستَطيعُ أَن أبوحَ لَه دونَ تَحفّظ ودونَ أن يَفهَمَ الأُمورَ خطأً مَهما تحايَلتُ بالكَلِمات. شَعرتُ أنّه فَهِمَ كُلّ حرفٍ مِن حُروفِ مُعاناتي ووعَدَني أن يَجمعني بِعمّه حُسام ليفَهّمني الصورةَ كاملة.
***
مرّ عامٌ عَلى ذلِكَ اليوم، هَمام قَد امتَزجَ كُليّاً بالطّبيعة. عامٌ كامِلٌ يَجولُ في شعابِ الجِبالِ والوِديان. فبُندقيّتُهُ الّتي طالما حَلِمَ بِها مُعلّقةٌ عَلى كَتِفِه. عَرَفَ قساوةَ العَيش، عَرفَ طَعمَ الشّوق لأمّهِ وشَقيقَتِه. محاولاتُ رُؤيتِهِما كادَت أن تُؤدّي لِقَتلِه واصطيادِه مِثل غزالٍ برّي. بِمنظارِ بُندُقيّتِهِ رآهما مَرّةً واحدة، وكُلّ مُحاولاتِهِ بَعدَها باءت بالفَشَل، فابتَعَدَ عَن قَريَتِهِ كُلّها والجِبالَ الّتي عَطّرتهُ بالزّعتَر البرّي وغَسلَتهُ بِماءِ عُيونِها، فهُوَ قَد بَدَأ بِطريقِ العَودَة، يسيرُ أيّاماً قَد اعتادَ عَلى مِثلِها خِلالَ العام، لكنّهُ لَم يَسِر تَحتَ شَمسِ آب الحارِقة، كانَ يَتجنّبُ ساعاتِ الظّهيرة ويَسيرُ مُعظَمَ الوَقت. بَعدَ مَسيرِ يَومَين تبقّى للمكانِ الّذي يَقصِدُهُ نِصفُ ساعةٍ تَقريباً. صوّبَ بُندُقيّتَهُ وحَدّقَ مِن مِنظارِها قَليلاً، ثُمّ قَرّرَ الانتِظار. سارَ نَحوَ شَجرة صَبر، شمسُ الصّباحِ لَم تَكُن قَد اجتازَت الجَبَلَ الّذي يَقِفُ عَلَيهِ بَعد. بَحَثَ عَن شيءٍ يَقطِفُ بِهِ الصّبر. قَطفَ عِدّةَ أكوازٍ كَنَسَها بِمكنَسةٍ [1] صَنَعَها مِن القَشّ اليابِس. شَرَبَ جُرعةً مِن الماء، أخرَجَ سِكّينَهُ، غَرَزَها فِي لوحِ صَبرٍ عِدّةَ مَرّات ليُنَظّفها مِن الدّم. حَدّقَ مِن المِنظارِ مَرّةً أُخرى، وَضَعَ بُندِقيّتهُ جَانِباً ثُمّ بَدَأَ بِتَقشيرِ الصّبر، مَع طَعمِ الحَبّةِ الأولى تَذَكّرَ المَوقفَ كُلّه، راحَ يَمضَغُ حَبّاتِ الصّبر ويَغوصُ في تِلكَ الذّاكِرةِ الّتي لا تَنسى حَتّى أدقَ التَفاصيل.
***
جلستُ أنتَظِرُ حُسام، اغتَنَمتُ الوَقتَ لأن أملأ مَعِدَتي بالصّبر، وجلستُ أتَذكّرُ لقاءاتي بِه، لكن اللقاء الأخير لَم يُبارِح ذاكِرَتي وقد كانَ فاصِلاً في حَياتي، يا لِصَرَاحَتِكَ يا حُسام، تِلكَ الصّراحةُ الممزوجةُ بالألَم، أيَجعَلُ الألَمُ الإنسانَ صَريحاً إلى هذا الحد؟ رُحتُ أتَذَكّرُ ذلك اللقاء.
يمشي حُسام بِصمتٍ أمامي، يَقتَرِبُ مِن سِلسِلةٍ حَجَريّةٍ ويُزيلُ حَجَراً مِنها وتَبدو فجوةٌ وراءَ ذلكَ الحَجَر الّذي يُشكّلُ باباً لِمَخبإٍ لا يخطُرُ عَلى بَالِ أحد، تناولَ علبةً وسكّيناً، تَبقّى أشياء أخرى، قُلتُ في نَفسي عِندما رأيتُ ذلك المَخبأ أنّه يُبدي ذلك الحِرصَ على أصغَرِ أشيائهِ وأبسطَها، فكيفَ يَكونُ حِرصُهُ عَلى أعزّ شيءٍ على قَلبِه؛ على سِلاحِه؟ وكيفَ لي أن أجِدَه؟ كُنتُ في اللقاءاتِ السّابقةِ قَد كسرتُ عِدّةَ حواجزٍ في عَلاقَتِنا، وشَعَرتُ أنّ الوقتَ طالَ وعَليّ أن أتجَرّأ، فبادرته:
عمّ، أريدُ سِلاحاً.
تجاهَلَني، أو ربّما لَم يَسمَع، فكرّرتُ ما قُلتُه …
عمّ، عمّ … أُريدُ سِلاحاً.
التَفتَ إليّ بسُرعَةٍ ووَضَعَ سَبّابتَهُ عَلى فَمي ليُسكِتَني، وسألَني بالإشارَةِ عَن هاتِفِي، فقلتُ إنّني لَم أُحضِره. فَقَد كانَ دائِماً قَبلَ أن يبدَأَ بأيّ حَديثٍ يُبعِدُ الهواتِفَ عَن المَكان الّذي نَجلِسُ فيه. حينَها ابتَسَمَ وسَألَني:
من أينَ لي بالسّلاح؟
إنّ لديكَ سِلاحاً!
ضحِكَ هذهِ المَرّة بطَريقَةٍ غَريبة، شَعرتُ أنّه يَستَصغِرُني على حَملِ السّلاح …
صِدقاً، ليسَ لَديّ سِلاح، خُذ مِن عَمّكَ سِلاحاً.
أعرِفُ أنّ لَدى عَمّي سِلاحاً، لكنّهُ قَطعاً لَن يُعطِيني، فهُوَ يُوبّخُني على ضَربِ الحِجارة، فكيفَ لي أن أطلُبَ سِلاحاً.
اكتسى وجهُهُ بِملامِحَ غَريبة وقال:
كانَ لديّ … كان … لكن …
تَنهّدَ وحَدّقَ بِي وبَدا الحُزنُ عَلى وَجهِهِ واضِحاً، ثُمّ أردَف:
راح … سُرِقَ مِنّي مُنذُ سَنوات، أتعْلَمُ حينَ تحرِصُ كُلّ الحِرصِ على أعَزّ شيءٍ لَديك كَي لا يَضيعَ مِنكَ ثُم يَضيع؟ ثُمّ يُسرَق؟ آخ.
كَيف؟
دَعكَ مِن ذلك وتَعال … أَي كَوز صَبر تُريد؟
أشرتُ عَلى مَجموعَةٍ مِنَ الأكوازِ الحَمراءِ الّتي تَبدو ناضِجَةً جِدّاً، وضَعَ عُلبتَهُ الزّرقاءَ عَلى واحد، قَبَضَ عَليهِ ولَفّ يَدَهُ كَأنّهُ يَفتَحُ باباً بَمُفتاح، ثُمّ أخَذَ يَقطِفُ أكوازاً لا تَبدو لِي ناضِجَةً كِفاية، جَمَعَها في مكانٍ فَوقَ التّراب، سألَني وهُو يُنظّفُها مِن الشّوك:
ما أخبارُ عَمّك؟ وهَل يُقصّرُ مَعكَ ومَع أُسرَتِك؟
حكيتُ لَهُ عَن عَمّي وعَن تَعامُلِهِ مَعَنا وأنّهُ بِمثابَةِ أبي .. إلى آخره. بدأ بِتقشيرِ الصّبر وأعطاني الحَبّةَ الأولى، وكانَت مِن الحَبّاتِ الّتي قَطَفَها هُو، طَعمُها لذيذٌ جدّاً. سَألني عَن طَعمِها وقَشّرَ واحِدةً لَه، بَعدَ ذلك قَشّرَ الحَبّةَ الحَمراء الّتي اختَرتُها وتناولتُها، فسألَني بعدَ ذلك عَن مَذاقِها، أجبتُهُ أنّ الأولى كانَت ألذّ؛ فقال: “هناكَ أشياءٌ تَبدو شَهيّةً لكنّ طَعمَها يكونُ مُرّاً، كالحَقيقةِ مَثلاً، نَبحَثُ عَنها وتَبدو لنا مِثلَ هَدفٍ شَهيّ، لكنّها أحياناً لا تَكونُ كَذلك.”
بانَ لي في صوتِه رجفةٌ كرجفةِ مَن يشعُرُ بِالبَرد، وشِريانٌ ما تَضَخّم في جَبينِهِ لَم أَرَهُ يَومَاً بهذا الحَجم، وضَعَ حَبّةً فِي فَمِهِ، وانتظَرتُهُ لينقُلَ الفِكرَةَ الّتي يُريد، فَعادَ واسترسَل: “يا لِضَعفِ المِثال. تَشبيهٌ هَزيل، إنّ الصّبرَ مَهما كان فَإنّه لَن يَكونَ مُرّاً.” وكُنتُ كَمن يَستَمِعُ لدرسٍ بِلُغَةٍ لا يَفهَمُها أو هكذا بَدوتُ لَه. صَمَتَ قَليلاً و انفَجَرَ بَعدَ صَمتِه ثُمّ قال: “إنّ عَمّكَ قَذِر ، إنّهُ لا يُشبِهُ الصّبرَ إلّا في أشواكِه، إنّ أشواكَ عَمّك طَعنَتني وسَرَقَت مِنّي أعزّ ما أملِك. شَوّهَتني وخَسِرتُ سِلاحي وخَسِرتُ خَطيبَتي وسنواتٍ مِن عُمري وكَرامَتي.” كُنتُ مُتَفاجِئاً مِمّا يَقول، فتحتُ عَينَيّ على اتّساعِهِما، بدا انفِعالي واضِحاً. قال: “لا تَنفَعِل. سأروي لَك.” كُنتُ أعرِفُ أنّ ما سأسمَعُهُ صَعبٌ ومُرّ كالحَقيقة، ومَع ذلكَ ضَبطتُ أعصابي قَدرَ المُستَطاع ليبدَأ بسرَدِ حِكايته. أدرَكَ أنّني ضَبطتُ أعصابي فَبَدأ بالكَلام: “كُنتُ مِثلَكَ الآن، أبحَثُ عَن بُندُقيّةٍ لَن أحكي لَكَ كَيفَ حَصلتُ عَليها لكنّني كُنتُ سَأموتُ مِن أجلِها. سَنَواتٌ طَويلَةٌ وهِيَ طِفلَتي المُدلّلة والشّريكة. كُنتُ أعمَلُ بِمُفرَدي في بِدايَةِ سنواتِ الانتِفاضة، دونَ أن يعلَمَ بِعَمَلي أَحد. حَتّى لَم يَعُد بِحَوزَتي غَير بِضعِ رَصاصاتٍ فَقَط. أصبحتُ بحاجةٍ لِمَن يَمُدّني بالرّصاص. تَوجّهتُ لسامح، صديقٍ لي، طَلبتُ مِنهُ الرّصاص، أمّن لي عِدّةَ عُلب. ثُم عَرضَ عَليّ العَملَ في مَجموعة، وافَقت.” اعتَدَلَ في جَلسَتِهِ ثُمّ استرسَل:“كنتُ مُدرّساً، في كُلّ صَفّ تَختَطِفُ رَصاصَةٌ صُهيونيّةٌ تِلميذاً مِن تَلامِذَتي فيَدفَعُني مَنظَرُ المِقعَدِ الفارِغِ للقيامِ بِعَمَلٍ ما، مَع رِفاقي أحياناً وأحياناً وحدي.”
“في بدايةِ شَهر آب، أَي قَبلَ الآن بَسبعِ سَنَوات، أُصِبتُ بِرصاصَةٍ فِي كَتِفي الأيْمَن فَمَنَعتني مِن المُشارَكَةِ في عَمَلٍ مَع رِفاقي.” كُنتُ أبحَثُ في حَديثِهِ عَن عَمّي، لكنّني لَم أَكُن مُتَشَوّقاً لِتلكَ الحَقيقةِ الواضِحةِ المُرّة الّتي بَدَت لي جَلِيّة، فَقُلت لنفسي سأنتَظِرُ حَتّى يَنتَهي، قدّمتُ لَهُ سيجارة، تَناوَلَها ثُمّ رَشَفَ رَشفة ماءٍ وأكمَل: “نَفّذَ سامِح مَع رفيقٍ آخر عَملاً فِدائيّاً رُبّما سَمِعتَ عَنهُ عِندَ مَدخَلِ المَدينة، وقَعَ خَللٌ ما عِند الانسِحاب، اعتَقَدَ سامِح أنّه قَد انكَشَف، لكنّهُ لَم يَكُن مُتأكّداً، جَاءَ إليّ وخَبّأ السّلاحَ الّذي نَفّذا بِهِ العَمَليّة عِندي وغادَرَني.” آه … أينَ أنتَ يا عمّي؟ أينَ أنتَ في كُلّ هذه التّفاصيل؟ أينَ أنتَ في قِصَصِ البُطولَةِ الّتي أسمَعُها؟ وعن أيّ بُطولَةٍ تَروي في ظِلّ هذه البُطولة؟
وكيف سُرِقَت البُندُقيّة؟
خَبّأتُ السّلاحَ بِسُرعَةٍ في مخبَإٍ كُنتُ قَد أعدَدتّه للبُندُقيّةِ قَبلَ أن أحصُلَ عَلَيها. في تِلكَ اللّيلَةِ حاصَرَت أجهزة أمنِ السّلطة مَنزِلَ سامح، فبَدَأ عَناصِرُ الأمنِ يَطلُبُونَ عَبرَ مُكبّراتِ الصّوتِ مِن سامِح أن يُسلّمَ نفسَه، وإلّا سيبدأونَ بإطلاقِ النّار. كان بحوزَةِ سامِح مسدّسٌ لكنّه كانَ يُدرِكُ ويَعي جَيّداً حُرمَةَ الدّم الفَلَسطينيّ ذاتَهُ الّذي تستَبيحُهُ أجهِزَةُ أمنِ السّلطة، فسَلّم نفسَه.
أتساءل: أكانَ منزل سامِح أحَدَ أوكارِ تُجّار المُخدّراتِ الّتي اقتَحَمَها عَمّي؟ أكانَ سامِح أحَدَ أولئكَ التّجار؟ وأكمَل:
وبعدَ يَومَين تَمّ اعتقالي من المَنزِل، وتَمّ اقتيادي للتّحقيقِ في أريحا. لَن أروي لَكَ الكثيرَ عَن جولاتِ التّحقيق وعذاباتِها، سأُخبِرُكَ عَن يومٍ واحِد. في ساعاتِ الظّهيرَةِ الحارِقَة، وقد مَضى على وُجودي في خَزّانٍ حَديديّ مُكعّب ما يُقارِبُ ثلاثَ ساعات، مجرّداً من كُلّ مَلابِسي، أصطَلي بلسعاتِ الحَديدِ الحارِقةَ في كُلّ مَكانٍ مِن جَسَدي. العَرَقُ الغَزيرُ يَدخُلُ مِلحاً في عَينيّ وجُروحي وحُروقُ السّجائر الّتي طَالَت كُلّ جَسَدي. لا أقولُ لكَ أنّني لم أدُقّ جُدرانَ الخَزّان. دَقَقتُها وكُلّما دَقَقتُها أُدَقّ عَلى رأسي بِعصاً يُدخِلُها أَحَدُ المُلثّمينَ مِن فَتحةٍ عُلويّة. تُلقي العُصِيّ بِقدرٍ أكبَرَ مِنَ الهَواء. فَتَحَ ضابِطٌ مُلثّمٌ بابَ الخَزّان، فَكّ قَيدي وأمَرَني بارتداءِ مَلابِسِي. حاوَلَ الهَواءُ عَبثاً تبريدَ جَسَدي من نارِ ذلك الفُرن. مُحقّقونَ ثلاثةٌ يُغطّي اللثامُ وجوهَهُم وتُغَطّي النَظّاراتُ عُيونَهُم، صَوتُ أحدِهِم يَبدو مألوفاً لي، قال: إنّ القِصّة انتهت وسامح باحَ بكُلّ شَيء. لَم أُصدّق. بَعدَ دَقائق أحضَروه. لَم يكُن سامح الّذي أعرِفُه. كُلُ شيءٍ فيه أزرَق، وجهُهُ مُتَورّمٌ، أظافِرُهُ مُخلّعةٌ، يَحفُرُ القيدُ رسغَيْهِ المُتَضَخّمَيْن، يجلِسُ على كرسِيّ للمُقعَدين أو على كرسيّ مُتَحَرّك. اختَلَفَ حالي عن حال سامِح قليلاً. على الأقل كانَ لي أظافِر، رُبّما لأنّ أصابِعي لَم تُطلِقِ النّار على الاحتِلالِ ذلك اليوم. طَلَبَ مِنّي سامِح أن أدُلّهُم على مكانِ السّلاح. قلتُ لهُ: أيّ سلاح؟ فقال أنّني لَم أعرِف شَيئاً عَن العَمَليّة. فَقَط يُريدونَ السّلاح وليسَ لي علاقةٌ بشَيء، وإن سلّمتُ السّلاحَ سُيفرَجُ عَنّي. رفضت ذلك وأنكَرتُ وجودَ سلاحٍ لديّ. أخرَجوا سامِح وبَدأت جولةٌ أُخرى من العَذاب. استُفِزّ الضابِطُ المُلثّم، وبدأ بِصَفعي بِكُلّ ما أوتيَ مِن قُوّة. كنتُ أتحاشى الحَديثَ كَي لا أُضرَبُ فَجأةً ولِساني بينَ أسناني. آه … ليتَ لِساني قُطِعَ حينها.
أخَذَ حُسام يَرسُمُ خُطوطاً بِعودٍ مِن خَشَبِ اللوزِ على الأرض وأكمَل: “بَدَأَ المُحقّقُ بِهزّ جَسَدي بهستيريّةٍ شَعرتُ مَعَها أنّ رأسي مثل عُلبةٍ فيها حجرٌ سيكسِرُها في لَحظَةٍ ما. كانَ الألمُ لا يُطاق. ويَصرُخُ في وَجهي ثُمّ يَقول: سَتسقُطُ الثّمارُ مِثلَ شجرةِ التّوت، ويُكمِلُ هَزّ جَسَدي بِقُوّةٍ تُشعِلُ كُلّ آلامِه. شعرتُ بإصبَعِهِ مَع الهزّ يقتَرِبُ مِن الجُرحِ الّذي خلّفتهُ الإصابةُ ثُمّ يصلُ بإبهامِهِ إلَيه. ويأخُذُ جَولَةَ هزّ جَديدة. يضغَطُ بإبهامِهِ على الجُرحِ المُعتُمِلِ الّذي لَم يُعالِجوه. أشعرُ بألَمٍ حاد ثُمّ بسائلٍ حار يَسيلُ على جَسَدي. انفقَأَ الجُرح، شَعَر المُحقّقُ بحرارةِ السّائِلِ على إصبَعِهِ الّذي تَغَلغَلَ في الجُرح . أبعَدَ القَميصَ فوجَدَ الجُرح. فجأةً تقيّأ مرةً واحدةً تحتَ لسانِه، رفَعَ لسانَهُ ليندَلِقَ القيءُ عَلَيّ برائحَتِهِ النّتِنة”.
صَمتَ حُسام قليلاً ثمّ مَنَعَ نَفسَهُ مِن مُحاوَلَةِ التّقيّؤ. شَرِبَ حُسام جُرعةً ثُمّ أكمل: “اندَلَقَ القَيءُ على وَجهي وجَسَدي وجُرحي، لَم يَكُن كَلامُ المُحَقّقِ أَقَلّ قذارةً مِن القَيء. عرَفتُ ذلك الوَجه، وجهُ عَمّك.” زادَ انفعالي وسالَت الدّموعُ مِن عَينيّ وعادَ لِرسمِ الخُطوطِ ثُم أكمَلَ حديثَه: “اغتَسَلَ وعادَ للتّحقيق. كَشَفَ وجهَهُ واستَدعى أَحَدَ السّجانينَ وأحضَرَ سامح، قالَ عَمّك: القرارُ بيَدِك، ارحمهُ وسَلّم السّلاح. أشعَلَ سيجارةً، سَحَبَ مِنها نَفَسَين، ثُم راحَ يَغرِسُها فِي رَقبةِ سامِح، راحَ سامِح يَصرُخُ بأعلى صَوتِه، يَرجوني أن أُسَلّمَ السّلاح، وقَبلَ أن تَنتَهي السّيجارة الّتي راحَت تَنغَرِسُ في كُلّ مكانٍ مِن جَسدِ سامِح كُنتُ قَد اعترَفت، سَلّمتُ سِلاحَ العَمَليّةِ وبُندقيّتي. كُنتُ أُحدّقُ في وجوهِ المُلثّمينَ وأقول: آه كيف انتَهت الانتفاضةُ الأولى بمُلثّمينَ لِتُحضِرَ مُلثّمينَ كهؤلاء؟ اللعنةُ على مَن كان السّبب. وبعدَ أن سَلّمتُ السّلاحَ وتحوّلتُ إلى المَحكمةِ لَم تَكُن بندقيّتي ضِمنَ المُستمسَكاتِ فَعرفتُ أنّ عمّكَ قَد سَرَقها. أُفرِجَ عَنّي واعتَقَلني الاحتلالُ بعدَها، وحُكِمَ عليّ عِدة أعوامٍ وها أنا الآنَ دونَ بُندقيّةٍ ودونَ خطيبةٍ ودونَ وظيفة.”
***
عُدتُ في ذلكَ اليومِ إلى البيت، وَجدتُ عَمي يضحكُ على شيءٍ ما، كيفَ لِمثلِه أنْ يَضحكَ، امتلأتُ حقدًا عليه، كرهتُهُ وكرهت البيتَ كلّه. كلُّ شيءٍ من حولي استخدمتُه لتعزيزِ كراهيّتي لعمي. وحينَ يدخلُ إلى المرحاضِ ليقضيَّ حاجتَهُ أقول: إنه الآن يتخلصُ من جزءٍ أصيلٍ من مكوناتِه. أجدُ ابن عميَّ الصّغيرَ يكسرُ حبةَ لوزٍ ويأكل لُبَّها، يشعرُ بمرارتِها فتتغيرُ ملامحَ وجهه. يبصقُ عدّةَ مراتٍ فأقول: حينَ يموتُ عمي يجبُ أنْ ندفنَه على مدخلِ القريةِ ونحيطَ قبرَه بأشجارِ اللوزِ المُرِ، وكلُّ شخصٍ يأكلُ يبصِقُ على قبرِه، وحينَ يلعبُ ابنُ عمي الآخرَ على الرملِ يجدُ شيئًا يمسكُهُ بيدِه ويظنُّه كنزًا، يقرّبهُ ويشمُّ رائحتَهُ يجدهُ برازَ قطة، فأقولُ، إن دُفِنَ عمي وشمَّ رائحتَه أحدُ المارة فإنَّهُ سيشعرُ بشعورِ هذا الطفل. وهكذا مضت الأيام لحين عرفت مكان البندقية، سرقتها وسرقت مسدسا وحقيبة مليئة بالرصاص، وجدني خارجا، أوقفني أمام الجميع لم أجد مجالا للحديث، صارحته بقذارته، كان حسام واحدا من العديدين الذين عانوا من قذارته، وقف أمامي ليمنعني من الخروج، التف حولنا جميع من في البيت، أفزعهم صراخه وهو يحكي عن فضله علي، صوبت البندقية إلى صدره، نظرت إلى كل العيون التي توسلت إلي، أمي وزينة وأبناء عمي وزوجته، تدفقت عيناي بالدموع، لكن أعصابي ظلت مشدودة كأوتار العود، غافلني عمي وأمسك بالبندقية لكنه لم يستطع سحبها ، وضعت إصبعي على أمانها، لكنه شدها بسرعة بطريقة جعلت إصبعي يضغط على الزناد، دوت رصاصة فخر عمي صريعا مثل ثور مذبوح. لم أجرؤ على النظر بعيون عائلتي فهربت.
***
نظرتُ من مِنظارِ البُندقيّة، وصَلَ حُسام وبَدَأ بإشعالِ المَوقِد، سِرتُ إلَيهِ حين تأكّدتُ أنّه وَحيد، سمِعتُهُ يُغنّي، اقتربتُ مِنه، تَسلّلت مثل لِصّ هذه المَرّة، وقَفت، عَزمت أن أسمَعَه. انتَهى من إعدادِ قَهوتِه، تسلّلتُ مِن بَينِ شجرة صَبرٍ وصَخرة، أصبحتُ خَلفه مباشَرَة، وقفتُ دونَ أن يَنتَبِه، كان يُغَنّي بِصوتٍ مُنخَفِض، يَمرّ سِرب حَمامٍ فَوقه، يَعلو صَوته مُغنّياً:
يا طير ياللي في السّما طير علّي
عن مطرح ال في القلب إسأل لي
همّي كبر يا طير صار بحجم تلّة
يصمُتُ قليلاً، يتَناولُ دَلّة القهوة، يَسكُبُ في فنجانه، تَفوحُ رائحتُها اللذيذة فيُكمل غِناءه:
بَشربها مِن كاس الحُزن بَشرَب من الدلّة
ثم يرشُفُ رَشفةً مِن فنجانِه ويُردّد:
آسف يا وَطَن سامِح لِساني
يا ريتو انقَطَع قَبل هالزّلة
ثابِت عالعَهد يا طير باقي
مِثل صخرة على أرضي ومحلي
الخيل الأصيلة كنت
الخيل الأصيلة تظل
الخيل الأصيلة وحدها بتكمّل الرّحلة
***
شِرَب هُمام فِنجانَ قهوةٍ لَم يذُقها مُنذُ عام، أخَذَ حاجَتَهُ من السّجائر والطّعام وذَهَبَ ليندَمِجَ في جبالٍ “شَرِبَت روحه” وعطّرتهُ بأزهارِها وزعتَرِها البَرّي، حينَ رأيتُهُ يَبتعِدُ، يتقافَزُ فوقَ الصّخور، تذكّرتُ عَمّه، تذكّرتُ جُرحي وبندُقيّتي الّتي حَصَد بها هُمام عَدداً مِن الصّهاينة.
فقلت: “إنّ عَمّهُ مِثل قَيحٍ على يدٍ تَحملُ السّلاحَ وهو تِلكَ اليد، فكانَ لا بُدّ لهذا الدّملِ أن يفقأ كَي تُطلِقَ البُندُقيّة نارها.”
انتهت
11\8\2022
[1] لأنه يتم بمكنسة مصنوعة من القش تنظيف أكواز الصبار من الشوك في القرية يسمى “تكنيس”