الأسبوع الثالث من الحملة التثقيفية – أسرى ما قبل أوسلو

“عمداء الأسرى” هو مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم في سجون العدو الصهيوني أكثر من 20 سنة متواصلة. مع مضي السنين، تحرر العديد من الأسرى الفلسطينيين عبر اتفاقياتٍ لتبادل الأسرى، مثل من أُفرج عنهم عام 1995 بعد اتفاقية أوسلو، أو صفقة تبادل الأسرى التي فرضها حزب الله في 2004 حيث تم تحرير 400 أسير فلسطيني، أو عملية وفاء الأحرار التي قامت بها حركة حماس عام 2011 حيث تم تحرير 1027 أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي شاليط، أو عام 2013 عندما أعلن الاحتلال عن الإفراج عن 104 أسير فلسطيني تزامناً مع عودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات واستمرار التنسيق الأمني. ومع ذلك، فإن هناك العديد من الأسرى ذو العمليات النوعية، وبالأخص الأسرى من الأراضي المحتلة عام 1948، الذين يرفض الاحتلال إدراجهم في هذه الصفقات تحت ذرائع أمنية أو بحجة حمل الأسير للجنسية “الإسرائيلية”، محاولين بذلك عبثاً الفصل بين شعبنا الفلسطيني من الأراضي المحتلة عام ٤٨ وباقي شرائح الشعب الفلسطيني.

بذلك يسرّ شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين نشر مواد الأسبوع الثالث للحملة التثقيفية لأسرى ما قبل أوسلو. في هذا الأسبوع سنتناول الأسرى محمد عادل داوود، محمود أبو خرابيش، وبشير عبد الله الخطيب. بإمكانكم طباعة هذه المنشورات وتعليقها في مدنكم ومشاركتها على الإيميل samidoun@samidoun.net

الأسير محمد عادل داوود (أبوغازي)

اعتقل محمد عادل حسن داوود (أبوغازي) في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1987، وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة الانتماء إلى حركة فتح، وإلقاء زجاجة حارقة على سيارة مستوطنين ومقتل اثنين منهم على الشارع الالتفافي جنوب قلقيلية، من بينهما رئيسة مجالس المستوطنات، وهدمت سلطات الاحتلال منزل عائلته بعد اعتقاله ورفضت إطلاق سراحه ضمن عمليات تبادل الأسرى التي تمت بعد اتفاق أوسلو، بما في ذلك عملية وفاء الأحرار.

فقد محمد والده ووالدته وهو في المعتقل، والده أصيب بذبحة صدرية قبل ليلة من موعد زيارة ابنه، بعد أن كان قد جهز كافة أغراض الزيارة التي سيأخذها لمحمد، ووضع في جيبه من ضمن الأغراض صور العائلة الجديدة خوفًا من نسيانها كي يعطيها لمحمد، لكنه توفي قبل زيارته، كما فارقت والدته الحياة دون أن تضمه على صدرها.

نقلت إدارة سجون الاحتلال عام ٢٠٢١ الأسير محمد داوود من سجن “جلبوع” إلى مستشفى “العفولة” بسيارة إسعاف بعد تدهور جديد طرأ على صحته. وافقت إدارة السجن على نقله رضوخاً لضغوط ومطالبات متكررة من رفاقه الأسرى، يعاني الأسير محمد داوود منذ عدة سنوات من تدهور صحي مستمر بسبب ظروف الاعتقال الطويلة والقاسية، عدا عن سياسة الإهمال الطبي التي طالت كافة الأسرى المرضى، حيث فقدَ الأسير البطل داوود معظم أسنانه، ويعتمد منذ سنوات على تناول الشوربات والسوائل، ويعاني منذ فترة من أوجاعٍ قاسية في البطن وأصيب لاحقًا بمشاكل مزمنة في المعدة، وتم على إثرها إجراء عملية جراحية له تم فيها وضع شبكية في معدته. يعاني محمد أيضاً من مرض الصدفية، وحساسية في الجلد بنسبة عالية تسببت بتشققات ونزيف وهو بحاجة لإجراء عملية جراحية جديدة.

كان يسمح لعائلة محمد بزيارته مرة واحدة كل عام كنوع من أنواع العقاب. وتعتبر عائلة محمد أن السجن ونوافذه وحجارته وأسراه استُبدلوا، وأجيال من عائلاتهم جاءت إلى الدنيا، وأجيال ذهبت، وأجيالٌ تزوجت وأنجبت وابنهم محمد لا يزال وراء القضبان.

الأسير محمود أبو خرابيش

ولد الأسير محمود أبو خرابيش في مدينة أريحا مطلع شهر حزيران عام ١٩٦٥ وكان مزارعاً ومنتمياً لحركة “فتح” ويُعتبر عميد أسرى محافظة أريحا وأقدمهم من حيث تاريخ الإعتقال، فقد أُعتقل عندما كان لا يزال شاباً عمره ٢٣ سنة في الثالث عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول عام ١٩٨٨ بتهمة إلقاء زجاجة حارقة بإتجاه حافلة إسرائيلية في أريحا. تم اعتقاله على أيدي السلطات الصهيونية وحُكم عليه بالسجن المؤبد وهو ضمن قائمة الأسرى الذين أمضوا ما يزيد عن ربع قرن في سجون الاحتلال الصهيونية، ويقبع حالياً في سجن “ريمون” الاستعماري.

خلال فترة اعتقاله، اتبع الاحتلال سياسات إنتهاكية ضد الأسير الفلسطيني حيث تم عزله وأسره في زنازين انفرادية مما أدى لخوضه عدة إضراباتٍ عن الطعام. وبرغم كل هذه المضايقات والانتهاكات الصهيونية المُتّبعة من أجل عزل الأسرى عن العالم الخارجي، لم يستسلم محمود أبو الخرابيش حيث قام بتثقيف نفسه بنفسه خلال هذه السنوات حيث يمضي معظم وقته يقرأ ويتعلم. أنهى محمود دراسته الثانوية داخل سجون الاحتلال ويواصل إكمال دراسته الجامعية للعلوم السياسية، لكن السلطات منعت الأسرى من مواصلة تعليمهم. تمكن محمود أيضاً من إتقان عدة لغات منها الإنجليزية والعبرية والإسبانية والألمانية.

تنقل الخرابيش في عدة سجون تابعة للاحتلال الصهيوني منها سجن جنيد وعسقلان والرمله وبئر السبع وهداريم وغيرها من السجون التي يتم داخلها ارتكاب كافة أنواع التعذيب والتنكيل ضد الأسرى بهدف ارغامهم على التراجع عن مواقفهم وثنيهم عن المشاركة في الحياة السياسية. رغم كل هذا لا يزال الأسير صامداً أمام سجانه فهو يتمتع بشخصية مرحة ومعروف بضحكته بين إخوانه في الأسر. هذا الصمود الذي يتحلى به الأسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال يُعلم شعبنا كيفية الصمود أمام السجان، ويؤكد على أن أمل الأسير بتحرره و تحرير بلاده مرهون بقوة صمود أبنائها الشرفاء الذين يدافعون عن وطنهم ويتصدون لمشروع تصفية القضية الفلسطينية.

هُدم بيت الأسير في نفس العام الذي اعتقل فيه من قِبل الاحتلال وهو متزوج وله ابنة تُسمى أسماء لم يرها إلا 40 يوماً قبل أن يُعتقل. أنهت أسماء دراستها الجامعية وتزوجت وهو لا يزال أسيراً داخل سجون الكيان وما زالت تنتظر اليوم الذي تشرق فيه شمس الحرية، لتعانق والدها الذي حرمته منها ظُلمات السجون والسجان لأكثر من خمس وثلاثون عاماً. تقول أسماء وملامح الحزن تعتصر قلبها : “مهما مضى من عمري وأصبحت كبيرة إلا أنه ما زال في داخلي تلك الطفلة التي حُرمت والدها، وحُرمت أن تكون لها عائلة”. تابعت أسماء حديثها: “الاحتلال لم يحرمني والدي فحسب؛ بل حرمني العائلة أيضًا، فقد أُسر والدي وأنا رضيعة لا يزيد عمري عن أربعين يوماً، فكم تمنيت أن يكون لي أخوات وإخوان أتشارك معهم روح العائلة الجميلة وأجواءها”. صمتت قليلًا أثناء المقابلة عن الكلام، ليرتسم على ملامحها شيء من الابتسامة التي اختلطت بالدموع وهي تنظر إلى صورة والدها الأسير بفخر.

لم يُحرم أبو الخرابيش أحضان أبوّته لابنته أسماء فحسب، بل حُرم من معانقة أشجار النخيل التي كانت بمكانة الهواء الذي يتنفسه، فكانت الزراعة بالنسبة إليه أكثر بكثير من مجرد مهنة يقتات منها. هذا الأمر جعل له حكاية مع كل نخلة وكل حبة تمر كان يتذوقها، فكان يعطيها الحب في ريها والاعتناء بها، الأمر الذي جعل ابنته أسماء كثيراً ما تتبادل الدمع وحكايات الفراق بالحديث مع النخل، وتشتكي معاناة البُعد الظالمة التي كرسها الاحتلال وحرمها من والدها كل عمرها. وبعلامات القوة التي كانت تستند إليها قالت: “أفخر بوالدي فهو بطلي الذي أستمد منه مزيداً من الصمود، خصوصاً حينما يتواصل بصموده ضد سلطات الاحتلال وانتهاكاتها، وتثبته بحقه في نيل الحرية مهما طالت السنوات خلف قضبان الاحتلال، لأنه يدرك جيدًا أنه ما دامت الإرادة باقية، فإن الحصول على الحرية أمر لا بد منه”.

ما زالت أسماء تتذكر تلك الفرحة التي قتلها الاحتلال الصهيوني، حيث تذكر أن اسم والدها كان من بين الأسرى القدامى الذين اعتُقلوا قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام ١٩٩٣ ولكن سلطات الاحتلال نكثت بوعودها بالإفراج عن الدفعة الرابعة وبقي محمود وإخوانه في الأسر حتى اليوم. وأضافت: “الأمر الذي قتل فينا الفرحة والبهجة بعدما تجهزنا للاحتفال به، وعلت زغاريد جدتي خارج المنزل في انتظار استقباله ذلك الوقت، وكنا قد هيأنا المنزل لأجل استقبال المهنئين وتوزيع الحلوى عليهم”.

هذه السنوات الطويلة التي أمضاها أبو خرابيش كانت كفيلة بأن يعاني بسببها من العديد من الأمراض التي زادت بزيادة الإهمال الطبي وعدم تلقي العلاج، حيث يقول شقيقه عيسى: “شقيقي يعاني العديد من الأمراض، منها مرض القلب، ونتيجة للرطوبة الموجودة داخل غرفة السجن فهو يعاني احتكاكاً في عظام قدمه، مما أدى إلى صعوبات في المشي بسبب الألم الكبير الذي يعانيه”. ويلفت أيضاً إلى أن معاناته في زيادة من جراء تنقله لأكثر من سجن بهدف عقابه وضرب معنوياته العالية، إلا أنها باتت دون جدوى، مشيرًا إلى أن شقيقه خاض عدداً من الإضرابات عن الطعام لتحقيق مطالبه العادلة.

الأسير محمود أبو خربيش حرم كذلك من إلقاء نظرة الوداع على والده سنة ١٩٩٣ ويعاني داخل سجون الاحتلال من ندرة زيارة عائلته له، بسبب حرمان الاحتلال للعائلة من الزيارة “لأسباب أمنية”، أما والدته المريضة التي تعيش بكلية واحدة، فقد زارته العام الماضي بعد انقطاع استمر نحو سبع سنوات بسبب مرضها، حيث نقلت إلى السجن بواسطة مركبة إسعاف. في يوم ميلاده قال: “في مثل هذا اليوم وقبل ٣٠ سنة كان أول يوم لي في هذا السجن اللعين فقد فقدت شبابي، ولكن لا يزال أملي بالله كبير لعله يعوضني بدار الآخرة وألتقي هناك مع من فرقتني بهم الدنيا”.

الأسير بشير عبد الله الخطيب

الأسير بشير عبد الله كامل الخطيب ، ابن مدينة الرملة في الداخل المحتل ، ذو الـ 62 عاماً يقضي عامه الرابع والثلاثون في سـجـون الإحـتلال.

اعـتــقـل الأسـيــر بشير بتاريخ 1/1/1988، ووجهت له تهمة الإنتماء إلى منظمة محظورة، وحيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير قانونية، والقيام بعمليات فـدائيـة أدت إلى قتل صهاينة، وحكمت عليه محاكم العدو بالسـجن المؤبد مدى الحياة. في العام 2012، وبعد جهود قانونية حثيثة، حدد الاحـتـلال مدة حكمه المؤبد بـ 35 عاماً، أمضى منها 34 عاماً حتى الآن.

تنقل بشير بين كافة الـسـجون، نظراً لطول المدة التي أقضاها في الأسر، وتعرض لشتى أنواع المضايقات والانتهاكات من قبل إدارة مصلحة الـسـجـون، وقد رفض الاحتـلال إدراج اسمه ضمن صفقة وفـاء الأحـرار وكل الصفقات التي سبقتها بحجه أنه يحمل هوية زرقاء (الجنسية “الإسرائيلية”). خلال سنوات أسره الطويلة فقد بشير كل أسنانه وبات لا يستطيع تناول الطعام إلا بصعوبة بالغة.

عندما اعُتقل الخطيب كان أبناءه الخمسة في بداية أعمارهم وكبروا وتزوجوا و هو يقضي حكمه خلف القضبان، وقد سمح الاحتـلال بعد مماطلة طويلة لأحفاد الأسـيـر بزيارته وذلك بعد أن تقدم بالتماس للمحكمة المركزية حول الموضوع، والتي كانت ترفض زيارتهم بحجة أنهم ليسوا “أقارب من الدرجة الأولى”.

بوستر الأسير محمد عادل داوود (أبوغازي) بالعربية والألمانية

بوستر الأسير محمود أبو خرابيش بالعربية والألمانية

بوستر الأسير بشير عبد الله الخطيب بالعربية والألمانية