حظرت شرطة برلين في ١٣ نيسان ٢٠٢٣ مظاهرتين في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني يومي ١٥ و١٦ نيسان، بما في ذلك مظاهرة ١٦ نيسان التي تنظمها شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين. إن هذا الهجوم الجبان الذي تشنه الدولة الألمانية على الحقوق والحريات والوجود الفلسطيني يتماشى تماماً مع دعمهم وتبجيلهم لنموذج الدولة العرقية الذي يتبناه الكيان الصهيوني، والذي يعرفونه تمام المعرفة، ويجدر بالذكر أيضاً أن هذا الهجوم يأتي في أعقاب الحظر الذي تم في عام ٢٠٢٢ على مظاهرات يوم النكبة، الذكرى الأهم للشعب الفلسطيني، والذي قوبل بإدانة واسعة في ألمانيا والعالم. اليوم، تهاجم الدولة الألمانية من خلال أداتها القمعية -شرطة برلين- أكثر من ٤٨٠٠ أسير فلسطيني في سجون العدو الصهيوني الذين يبذلون حياتهم في سبيل الحرية والعدالة، من خلال استهداف يوم الأسير الفلسطيني.
تحيي شبكة صامدون كل عام ذكرى يوم الأسير الفلسطيني في ١٧ نيسان وقوفاً مع هؤلاء الأبطال الذين يجسّدون نواتنا الصلبة وجوهر قضيتنا الفلسطينية العادلة وعنواناً للمقاومة الفلسطينية وهم يقبعون خلق قضبان الظلم والقمع والاحتلال الاستعماري الصهيوني. في هذا اليوم، تصدح حناجرنا ضد تعذيب وسجن الأطفال، واستخدام الأسر كأداةٍ استعمارية ضد عملية التحرير وحق تقرير المصير الفلسطيني. يُحيّى هذا اليوم في كل بقاع المعمورة ومدنها، حين نرفع أسماء وصور وقصص أسرانا البواسل الذين يمثّلون القيادة الحقيقية لنضال الشعب الفلسطيني. ابتداءً من خضر عدنان -المضرب عن الطعام منذ ٦٨ يوم- مروراً بالأسير وليد دقة، الذي يصارع مرض السرطان في العناية المركزة بعد سنينٍ من الإهمال الطبّي. ونحيّي أيضاً الأسيرة إسراء جعابيص، وأحمد سعدات، ومروان ونائل وعبدالله البرغوثي، وأحمد مناصرة، طفلنا الشجاع، وجميع الأسرى الذين يقبعون خلف القضبان وعددهم ٤٨٠٠، وكذلك جورج إبراهيم عبد الله، الأسير في سجون فرنسا منذ ٣٨ عاماً، والناشطين الفلسطينيين الأسرى في سجون الولايات المتحدة. هذه الإجراءات القمعية التي تقوم بها شرطة برلين هو هجومٌ صريحٌ على الأسرى الفلسطينيين، ويجب أن يدفعنا إلى التحرك بقوة أكبر من أجل تحرير أسرانا.
من الواضح أن ألمانيا ليست طرفاً محايداً في الاستعمار والاحتلال المستمرين في فلسطين، بل إنها توفّر الأسلحة والغطاء والدعم السياسي غير المحدود لاحتلال شعبنا في فلسطين ومحاولة محوه من الوجود. في نفس الوقت، يتم انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني ليس في فلسطين المحتلّة فحسب، بل أيضاً هنا في ألمانيا، وتحديداً في عاصمة الشتات الفلسطيني، برلين، موطن أكبر جالية فلسطينية في أوروبا.
هذا يطرح سؤالاً مهمّاً: لماذا؟ لماذا تحمي ألمانيا مصالح احتلالٍ أجنبي استعماري على حساب مئات الآلاف من مواطنيها والقاطنين بها الذين يدعمون نضال الشعب الفلسطيني في سبيل الحريّة، كما رأينا في المظاهرات التي خرجت في ألمانيا أثناء هبة الكرامة (معركة سيف القدس)؟ لماذا تلهث ألمانيا خلف الولايات المتحدة نحو حربٍ مميتةٍ في أوكرانيا أدّت إلى كارثةٍ اقتصادية سحقت شعبها؟ ولماذا تلتزم ألمانيا بالصمت حيال تفجير الولايات المتحدة لخط أنبوب الغاز -والذي كان سبيل الخلاص من الأزمة الاقتصادية- مكلّفةً بذلك الشّعب الألماني مئات المليارات في مسارها الصدامي مع قوّةٍ نووية؟ ولماذا لدى قوّة أجنبية، الولايات المتحدة الأمريكية، ٢٩ ألف جندي و٤٠ مؤسسة عسكرية على الأراضي الألمانية؟ ولماذا يُسمح لقاعدة وكالة المخابرات المركزية CIA في فرانكفورت بالوجود والعمل بحريةٍ تامة كما نشرت وثائق ويكيليكس؟ ولماذا التزمت هذه الدولة المسلوبة الإرادة الصمت عندما كُشف أن وكالات الاستخبارات الأميركية تتنصت على مكالمات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أثناء أداءها لمهامها؟ كل ما ورد هي أسئلةٌ تكشف أن هذه الحكومة الألمانية مسلوبة السّيادة وأن وقوفها الدّائم ضد مصالح شعبها ما هو إلا دليلٌ على أن أولويتها هي خدمة مصالحها الإمبريالية بما يتماشى مع المصالح الإمبريالية الأمريكية.
من الجلي أيضاً أنّ حظر التظاهر يتم تنفيذه اليوم كشكلٍ من أشكال العقاب و القمع الجماعي، الذي يستهدف مئات الآلاف من الفلسطينيين و العرب ومناصري القضية الفلسطينية في ألمانيا. هذه الأزمة المصطنعة تسعى إلى خلق حججٍ و ذرائع للحظر المستمر للمظاهرات المؤيدة لفلسطين وقمع حرية تعبير المجتمع الفلسطيني و أنصار الشعب الفلسطيني. كما وتبدو الوثيقة الصادرة عن شرطة برلين كما لو انها كُتِبت من قِبَل وكالة أمن أو استخبارات “إسرائيلية”، حيث تقدّم مجموعة من التحليلات السياسية المبنية على الرواية الصهيونية وتتجاهل تماماً الحقوق الفلسطينية، بل حتى الإنسانية.
نحذر أيضاً من محاولةٍ أخرى لحظر إحياء ذكرى النكبة في برلين كما رأينا عام 2022. وننظر إلى هذا الاستهداف الجماعي للفلسطينيين في ألمانيا على أنّه محاولة لتجريم الوجود الفلسطيني وحق الفلسطينيين في التعبير عن أنفسهم، و كذلك لدفع حركة التضامن نحو التنافس والانقسام على نفسها إلى فلسطينيين “جيدين” و آخرين “سيئين”. ونؤكِّد اليوم، أننا لن نسمح لمثل هذه التكتيكات القمعية والفاشية بالنجاح، و أنَّ صوت الشعب الفلسطيني -بما في ذلك الأغلبية الساحقة من الجالية الفلسطينية في برلين، وهم لاجئون فلسطينيون محرومون من حقهم في العودة إلى وطنهم المحتل والمستعمر لأكثر من 75 عاماً- سيجد آذاناً صاغية من شعبنا و مقاومتنا الباسلة من أجل تحرير كل أسرانا وأرضنا من النهر إلى البحر.
ندعوا كل المدافعين عن العدالة في فلسطين، في ألمانيا، ودولياً لمحاسبة الحكومة الألمانية على خرقها الدائم للحقوق الفلسطينية في شوارع برلين، وتحديداً حظرهم لمسيرات ذكرى يوم الأسير الفلسطيني. هذه الهجمات هي جزءٌ لا يتجزّأ من نفس نظام القمع والتحالف بين الإمبريالية والصهيونية والرجعية الذي يستهدف شعبنا داخل فلسطين المحتلة و خارجها. لن نقف مكتوفي الأيدي.
أعدّت شرطة برلين إشعار الحظر المؤلّف من ١٢ صفحة لتبرير هذا الإجراء القمعي في أعقاب سلسلة من الهجمات السياسية والإعلامية، بالإضافة إلى مطالباتٍ من السفير الصهيوني تدعوا إلى تكميم أفواه الشارع الفلسطيني في ألمانيا. هذه الوثيقة، مثل سابقاتها، مليئة بالعنصرية المعادية الفلسطينيين والمواقف السياسيّة التي تتبنّى بشكل كامل الرواية الصهيونية إلى حدٍّ متطرّف و مُثير للإشمئزاز.
وذلك بعد المظاهرة الحاشدة يوم السبت الماضي ٨ نيسان/أبريل في ظل العدوان على المسجد الأقصى ورد المقاومة الصارم على هذه التجاوزات، حيث سارت هذه المظاهرة الشعبية في شوارع عاصمة الشتات برلين دون أي صدام مع الشرطة، وبعد حملة إعلامية وسياسة شعواء استعمل الصهاينة بها مقطع فيديو مشبوه أنتجه مؤسسة صهيوني مأجورة، لصوت معزول غير معروف المصدر، يردد عبارةً معاديةً للسامية. من الواضح أنَّ هذا المنع مصدره الضغوط السياسية والإعلامية للصهاينة وليس كما تدّعي الشرطة الألمانية بسبب أي قلق حقيقي بشأن “السلامة العامة” أو “محاربة معاداة السامية”. من الواضح أيضاً أنّ سلامة و أمن المجتمعين الفلسطيني و العربي في ألمانيا لا قيمة لهما على الإطلاق بالنسبة لحكومتي برلين وألمانيا الفدرالية و يمكن التحريض عليهما وتعريضهما للخطر في أي لحظة من أجل دوافعٍ سياسية:
- تتبنّى وثيقة الشرطة رواية صهيونية بحتة، مهينة في وصف الهجمات على المسجد الأقصى المبارك، وهي هجماتٌ أدانتها حتّى العديد من الحكومات الغربية الصهيونية، حيث تصوّر الدولة الألمانية قوّات الاحتلال وهي تشهر أسلحتها في وجه المصلّين وتعتدي عليهم داخل المسجد الأقصى المبارك كمدافعين عن المصلّين، متجاهلةً تماماً رواية هؤلاء المسلمين الفلسطينيين:
“وفقاً للتقارير، قامت مجموعات من الشباب الفلسطيني بإلقاء المفرقعات النارية والحجارة على ضباط الشرطة في وقت متأخر من المساء وحاولوا تحصين أنفسهم داخل المسجد الأقصى. علاوة على ذلك، يقال أن هذه المجموعات من الشباب الفلسطيني منعت المصلّين من مغادرة المسجد ، لذلك اضطرت الشرطة إلى تأمين الطريق أمام المصلّين لمغادرة المسجد، وفي هذا الصدد طردت الفلسطينيين من باحات المسجد. ووفقاً لمصادر فلسطينية، أصيب ستة أشخاص آخرين”
- تمارس الدولة مرة أخرى العنصرية وتستعمل القوالب النمطية المعادية للفلسطينيين بإعلانها بأن الفلسطينيين والعرب يجب أن يكونوا على ما يبدو بلا عاطفة في وجه الهجمات العنيفة وسرقة أراضيهم وقتل أبناء شعبهم، محذّرةً من:
“الانفعالية المفرطة لدى السكان ذو الخلفية الفلسطينية”
- تمارس الدولة أيضاً العنصرية وتجريم للمسلمين والفلسطينيين والعرب:
“كان للتجمع مظهر متشدد وعنيف (militant) بشكل واضح للأجانب، واستعمالهم لهتافات عدوانية مثل (الله أكبر)”.
- يصف التقرير مشاركة الفلسطينيين والعرب والمسلمين كمبررٍ كافٍ لحظر هذا النشاط:
“وبالتالي فإن المشاركين في هذه المظاهرة سيكونون إلى حد كبير من أفرادٍ من الشّتات العربي، وخاصة أولئك الذين لديهم خلفية فلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، ستشارك مجموعات مسلمة أخرى، وتحديداً من الشتات اللبناني والتركي والسوري، في المظاهرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن توقع مشاركة عدد كبير من الشباب”.
- علاوة على ذلك، تتخذ الشرطة أيضاً موقفاً سياسيّاً ضد الفلسطينيين الذين يصرّحون بأن عاصمتهم القدس وأنها محتلة، كسببٍ آخر لحظر المظاهرة:
“يجب اعتبار أن هذه المظاهرة تتخذ شكلاً بديلاً عن مظاهرة “يوم القدس” السنوية والتي تم إلغاءها. ونرى ذلك أيضاً في الدعوات والبيانات المنشورة على الإنترنت، والتي تشير إلى القدس بالكلمة والصورة”.
- مرة أخرى، تستخدم الحكومة الألمانية تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة (IHRA) الـ”غير ملزم قانونيّاً” لمحو الحقوق القانونية للفلسطينيين والعرب وأنصار فلسطين، ومساويةً اليهود بالصهيونية بأقذر الطرق (مما يعزز معاداة السامية والعداء ضد لليهود):
“إن تبني موقف عدم وجود دولة إسرائيل وتدميرها بالكلمات والصور يعتبر الوقوف الأكثر وضوحاً في معاداة السامية وفقاً لجميع التعريفات الشائعة لمعاداة السامية وهذا ينطبق على تعريف معاداة السامية الذي اعتمدته ألمانيا عام ٢٠١٧ من (التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة) وكذلك التعريف العلمي لمعاداة السامية لتقرير (فريق الخبراء المستقل لمعاداة السامية) عام ٢٠١٧”
- علاوة على ذلك، يؤكد البيان مرة أخرى تصريح الحكومة الألمانية المتكرر بأن الاستعمار الصهيوني في فلسطين هو “سبب وجود الدولة الألمانية”، مبرراً الحظر على أساس أن شبكة صامدون:
“يتشكل المشاركين في نشاطاتها من دائرة من الناس الذين ينتقدون دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي واليهود”
فمن هم “اليهود” المشار إليهم هنا؟ المستوطنون الصهاينة وجنود الاحتلال ومجرمي الحرب؟ مرة أخرى، تمحي الدولة الألمانية وجود اليهود المناهضون للصهيونية بينما تصرّ على الجوّ باليهود في نفس خانة إرهاب المشروع الاستعماري والإمبريالي الاستيطاني.
إنَّ الطبقة الحاكمة في أوروبا وألمانيا وأنظمتها القمعية، هي المسؤول الأساسي عن معاداة السامية و الكراهية ضد اليهود و ومسؤولة عن النازية الفاشية وهذه ليست سوى أحدث محاولة لإلقاء مسؤوليتها عن هذه الجرائم وصعود اليمين المتطرف في ألمانيا وتستهدف بدلاً من ذلك الفلسطينيين و العرب المسلمين وتحرّض عليهم -وهذه الفئات هي ذاتها هدفٌ أساسي للفاشيين في ألمانيا وجميع أنحاء أوروبا. نحن لن نقبل تحميل مسؤولية جرائم النازية على عاتق الفلسطينيين والعرب الذين يناضلون من أجل تحرير وطننا من الاستعمار، نضالاً تحررياً مناهضاً للاستعمار و للعنصرية. لن يتم إسكاتنا بحملات التحريض والقمع الدولي.
إننا نُحيي ذكرى كفاح الأسرى الفلسطينيين والشعب الفلسطيني، واليوم العالمي للأسير الفلسطيني، ونحثّ جميع من يدعمنا للتحدّث علناً ضد الحظر وحضور و تنظيم فعاليات يوم الأسير الفلسطيني في بلادهم ومدنهم، ولا سيما المشاركة في الفعاليات التي يتم تنظيمها في كولن وهامبورغ في الـ١٥ من نيسان/أبريل.
لن تهدأ حناجرنا حتى تحرير آخر أسير و آخر شبر من أراضينا المحتلّة لأنّ شعبنا مستهدف بالتجريم و القمع في الداخل و الخارج. الآن هو الوقت الذي أصبح فيه الامر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى: يجب أن نواصل تنظيم و تصعيد جميع جهودنا حتى تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين، و الوقوف مع الشعب الفلسطيني و مقاومته الجبّارة، من أجب تحرير فلسطين، من نهرها لبحرها.