جورج جاكسون والحركة الأسيرة الفلسطينية: قرب نضالي

بقلم : تانيا نابلسي

اعادة نشره من موقع الميادين.نت

SONY DSC

تعرض تانيا نابلسي الناشطة الاجتماعية والوطنية على مسار العودة إلى فلسطين لدراسة مقارنة حول النضالات المشتركة بين تيارات ثورية أميركية، متمثّلة بحركة “الفهود السود” التي كان جورج جاكسون قائدها الميداني، والحركة الأسيرة في فلسطين، والدراسة بعنوان: “الصمود وضوء الشمس”. وتتبع نابلسي حركة النضال الأميركية عبر كتب لجاكسون، ومقابلات أجرتها مع أحد مناصريه، وعارفيه، غريغ توماس، أستاذ الأدب وتاريخ السود في أميركا في جامعة تافت.

ولد المناضل جورج جاكسون “التنّين” مسؤول ميداني في حركة الفهود السود، في 23 أيلول 1941؛ سُجن في سن 18 عاماً لسرقته المزعومة ل70$ من محطّة بنزين، واغتيل في سن 29 عاماً في سجن سان كوينتين في 21 آب 1971، وكان جورج ليستر جاكسون أولاً وقبل كل شيء ثورياً – مفكراً أو باحثاً نظرياً ضليعاً بالأفكار الثورية، منظماً للهيئات الثورية، كاتب الأدب الثوري، سجيناً طويل الأجل نتيجة لالتزامه الثوري، و هو رمز ثوري وإلهام لمعاصريه والعديد من الأجيال القادمة.

وقد قام جورج جاكسون بتأليف كتابين وهو في السجن وهما: Soledad Brother (1970) ، وكتاب Blood in my Eye.

ارتبط اسم جاكسون بثورة الشعب الفلسطيني، ومعاناة أسراه على مدار عقود في السجون الصهيونيّة بعد أن وجدت سلطات السجون الأميركية في زنزانته أكثر من تسعة وتسعين كتاباً مهرباً من بينها قصيدة “عدو الشمس” للشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم الذي كانت أشعاره وكتاباته مُلهمة له ولرفاقه داخل السجن الأميركي.

ويفيد غريغ طوماس عن هذه المصادفة بقوله: “كانت مجموعة شعرية بعنوان ” عدو الشمس “، كان جاكسون قد نسخ بخط يده قصيدة كتبها سميح القاسم على قصاصة ورقة بيضاء ليشارك بها رفاقه، وقام حزبه السياسي بتداولها معتقداً أنها من تأليف جاكسون؛ وعليه قام الحزب بنشر تلك القصيدة الكلاسيكية الفلسطينية ” عدو الشمس” على أنها قصيدة “لجورج جاكسون ” في صحيفة الحزب.

لقد كان ذلك صدفة ساحرة تعبّر عن التضامن والقرب النضالي. إن هذا التشابه في الصوت والظرف يفوق التصوّر. لقد أخذ شعر المقاومة الفلسطينية هذا حياة طويلة بين السود ما وراء البحار، ويعود الفضل في ذلك ل” الرفيق جورج”، العدو الأبدي ” لعدو الشمس”.

جاكسون ترك خلفه جيلاً من الثائرين سُمّي بالفهود السود الذي أظهر تضامنه الكامل مع نضالات المقاومة الفلسطينية وقد عمل في المجتمع الأميركي لمواصلة الكفاح ضد العنصرية في أرجاء العالم.

وجهة نظر جاكسون تتلخّص بأن القهر والعدوان من كل الاحتلالات في العالم، والظلم العنصري هو واحد، القهر والعدوان هو واحد، والظلم هو واحد؛ فبالتالي الاحتلال بكل اشتقاقاته هو واحد. وهو والأسرى الفلسطينيون يتكلمون نفس اللغة، وهي لغة الأسر، ولهذا كان له اهتمام بالقضية الفلسطينية لاعتبارها قضية محقّة، ولما يعانيه الشعب الفلسطيني من العنصرية التي كان يحارب هو وحزب الفهود السود للتخلّص منها، وكان يعلم ويؤكّد على أن الولايات المتحدة وإمبرياليتها هي سبب كل المشاكل في العالم، وهي وراء كل الحروب، وتقف خلف الصهيونية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني الآن.

وقد كتب جورج جاكسون في جريدة لحزب الفهود السود عن الأوضاع السيّئة والقاسية التي حصلت معه في السجون الأميركية، ونجد في كلامه الكثير من التشابه مع ما يحصل في سجون الاحتلال في فلسطين وحتى في سجون السلطة الفلسطينية.

وقد تكلّم غريغ طوماس في مقال في مجلة “اتجاه” الفلسطينية في عددها في أيلول 2016 عن الفهود السود قائلاً: ” كتب “هيوي نيوتن” قائد حزب الفهود السود أن “الغرب الإمبريالي خلق (إسرائيل) ويحافظ عليها بقوة السلاح”.

وهو قال أيضاً إن “أميركا” يجب أن تموت حتى يحيا العالم. لن تنجو الصهيونية و”الأميركانيّة” من غضب المناهضين للكولونيالية والعنصرية والإمبريالية الذين ينتمون للفهود السود، وهو حزب تأسّس عام 1966 في أوكلاند- كاليفورنيا- تحت إسم “حزب الفهود السّود للدفاع عن النفس”.

وأضاف طوماس في مقاله: “كان منذ نشأته حزباً ثورياً، وليس منظمة إصلاحية. وفي هذا السياق، أصدر حزب الفهود السود ثلاثة بيانات رسمية حول فلسطين، والشرق الأوسط، وكان ذلك في الأعوام 1970، و1974 و1980، بالإضافة إلى نشر عدد من المقالات لمنظمة التحرير الفلسطينية في مجلة الفهود السود الإخبارية، وهي دورية كانت تصدر أسبوعياً وتوزّع منها آلاف النسخ حول العالم…

ورد في البيان الأول لحزب الفهود السود عام 1970: “نحن ندعم النضال الفلسطيني العادل نحو التحرّر مئة بالمئة. ونحن ثابتون على عهدنا، وندعو بذلك كل الشعوب التقدمية حول العالم للانضمام إلى صفوفنا حتى نخلق عالماً يمتلك كل شعب فيه حق الحياة “.

من أقوال جورج جاكسون:”يشرط على الرجال السود المولودين في الولايات المتحدة، والذين حالفهم الحظ، أن يتجاوزوا سن الثامنة عشرة، أن يقبلوا بحتمية السجن. يراها الكثير منا على أنها المرحلة القادمة بعد سلسلة من المذلات. كوني ولدت عبداً في مجتمع مقيّد، وكوني لم أختبر أياً من المبادئ الموضوعية للتوقعّات، هيّأني ذلك للمصائب المؤلمة المتتالية التي قادت الكثير من الرجال السود لبوابة السجن”.

وفي حياته قام بعمل ما يرغب عمله بالضبط، وفي الوقت الذي رغب ليس أكثر، وربما ليس أقل، ولكن هذا لم يستمر، وذلك يفسّر سبب سجنه. يقول: “يولد الإنسان حراً، ولكنه مقيّد بسلاسل في كل مكان. لم اتأقلم على ذلك أبداً، ولم أتأقلم حتى بعد ما قضيت نصف حياتي في السجن. ولا يمكنني القول بصدق أن السجن الآن أقل ألماً مما كان عليه في تجربتي الأولى” .

وأثناء محاكمته، قال: “تجري الآن محاكمتي مع اثنين من الأخوة هم جون كلتشيت، وفلييتا درمغو بتهمة القتل المزعوم لحارس السجن. وهذه التهمة تحمل لي تلقائياً عقوبة الموت. لا يمكنني الحصول على الحياة. فهي أصلاً لدي”.

وفي كتابه Blood in my Eye ، الصادر سنة 1972، قال جاكسون:  “السود، وشعوب العالم الثالث الأخرى، لديها احتمال وشيك جداً بأن تكافح أساليب الإبادة الجماعية، ويمكننا الآن أن نرى أن الدولة الصناعية الحديثة، بدافع من مصالح مجموعات حصرية من سادة الرأسماليين، لا يمكن أن تنظّم نفسها لجعل إنتاج وتوزيع السلع شاملاً، أو الإنتاج من دون هدر هائل للموارد، والتدمير لكل ما يقف في وجهها. تنتهي المناقشة، ينتهي العمل”.

يصف الولايات المتحدة الأميركية ب”المستعمرة السوداء”،ويقول أنه لديها “خيارات قليلة”، ويردف”: يجب علينا الدخول في الحرب على جانب أغلبية شعوب العالم، حتى لو كان ذلك يعني محاربة أغلبية الولايات المتحدة الأميركية. نحن نكافح للعيش، ونحن نتعلّم القتال؛ انها سوف تكون حرباً، حتّى السكين إذا لزم الأمر”

كما أن غريغ طوماس يقوم الآن في البحث عن تاريخ “الفهود السود” في لبنان وفلسطين، لما وجده خلال بحثه من أدلّة لوجودهم في المنطقة، وأيضاً لمعرفة المزيد عن الفهود السود الفلسطينيين الذين كانوا جزءاً مهماً من حركة فتح في ما مضى، ولكن تمت تصفيتهم لرفضهم خط التسوية والمفاوضات مع العدو الصهيوني، وإيمانهم بنهج الكفاح المسلح لتحرير كامل تراب فلسطين.